السلاح الذي تهمله السياسات العربية

محمد أديب السلاوي

منذ عدة سنوات والدول الفقيرة والمتخلفة، صناعيا وتكنولوجيا، تنتظر عقد مؤتمر عالمي للغذاء بعدما أصبح هذا الأخير «مشكلة العصر» وبعدما أصبح الغذاء سيفا ذا حدين في كل المفاوضات السياسية والاقتصادية والصناعية في العهد العالمي الجديد.
«والغذاء للجميع» شعار رفعته الأمم المتحدة منذ سبعة عقود تقريبا بمناسبة يوم الغذاء العالمي الذي يصادف يوم 16أكتوبر من كل سنة، وهو شعار بشهادة الخبراء ظل بعيدا عن واقع التغذية في العالم وخاصة في إفريقيا وبعض البلاد الآسيوية والعالم العربي، حيث تؤكد التقارير الأممية أن أزيد من 800مليون نسمة في الأرض مازالوا يعانون من الجوع المدقع، في مقدمتهم 200مليون طفل يعانون من نقص حاد في البروتين والطاقة وعناصر الحديد واليود والفيتامين وكل عناصر الصحة والنمو.
في ضوء واقع التغذية في بلدان العالم الثالث من خلال التقارير التي نشرتها المنظمات العالمية في التغذية والزراعة والصحة والديموغرافية، فإن عدد سكان هذا العالم قد زاد في مفتتح الألفية الثالثة بنسب عالية، وهو ما يعني أن أزمة الغذاء ستتفاقم به ما لم تتخذ الإجراءات الضرورية واللازمة لمواجهتها محليا وإقليميا.
في تقرير لها ذكرت منظمة الأغدية والزراعة أن قطاع الزراعة في البلدان النامية، وخاصة منها الإفريقية، أصبحت في حاجة إلى 31 مليار دولار سنويا حتى السنة القادمة 2020، بغية المحافظة على مستويات الأمن الغذائي بزيادة طفيفة مقارنة بالمستويات السابقة، واستنادا لهذا التقرير ستنخفض الزيادات السنوية المطلوبة في صافي الاستثمارات في القطاع الزراعي، في كل من شمال إفريقيا والشرق الأدنى وآسيا.
وقد أشار هذا التقرير، من جانب آخر، إلى أن هناك تباينا واسعا من حيث الأولويات الاستثمارية في القطاع الزراعي في ما بين الأقاليم الإفريقية، إذ توجد اختناقات بسبب ندرة مرافق البنية التحتية وتدهورها، لذلك تدعو منظمة الأغذية والزراعة في تقاريرها إلى إحداث تحسنات في إدارة الأراضي الزراعية بإفريقيا للمحافظة على خصوصياتها، مع التخفيف من وطأة الديون المثقلة التي تحد وبشكل خطير من حجم الادخارات المتيسرة لأغراض التنمية.
السؤال هنا : كيف هي حال التغذية في العالم العربي الممتد على خارطة «التنمية» بين إفريقيا وآسيا؟
تقول الأرقام إن مساحة العالم العربي تبلغ 13,6مليون كلم مربع 15%منها صحراء قاحلة و20%مراع وغابات و5%فقط هي الأراضي الزراعية التي يتغذى منها الوطن العربي.
وتقول أرقام أيضا إن 70% من الأراضي الزراعية العربية تعتمد في سقيها على الأمطار، وهو ما يزيد في نسبة الهجرة القروية إلى المدن، وفي تدني مستويات المعيشة والتغذية في العالم القروي.
وجاء في تقرير نشرته منظمة التغذية والزراعة في مطلع الألفية الثالثة عن حالة الاحتياج الغذائي في العالم العربي، أن هذه الحالة تتوسع باستمرار حيث استورد العالم العربي في العقدين السابقين للألفية الثالثة ما يعادل 20 مليار دولار شهريا من المواد الغذائية وهي الحالة القابلة للزيادة بأرقام مهولة، حيت تصل الواردات السنوية حاليا في العديد من الدول العربية من الأغذية إلى 50% من الاحتياجات الغذائية.
في حوار مع المدير العام السابق لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الدكتور إدوار صوما، عن الأسباب التي أدت إلى هذه الوضعية بالعالم العربي، قال، بوضوح، إن المنطقة العربية مازالت تفتقر إلى الديناميكية في إنتاج الأغذية المحلية وبصورة خاصة في الحبوب والمنتجات الحيوانية وهو ما أوصلها إلى وضعيتها المتدهورة في المجال الغذائي.
السؤال الذي يفرض نفسه علينا في هذه الحالة : ماذا على البلاد العربية أن تفعله من أجل الأمن الغذائي؟ كيف لها أن تؤمن لنفسها الغذاء اليوم وفي المستقبل وهي مهددة في مخططاتها السياسية، وتعتمد في تغذيتها على الاستيراد بنسب مجنونة؟
إن المعطيات والأرقام والتقارير تقول، بصوت مرتفع، إن على البلاد العربية إيجاد حلول واقعية بسرعة لمشكلة الغذاء قبل فوات الأوان.
وفي رأي الخبراء يكمن الحل الممكن لإشكالية الغذاء بالعالم العربي في وضع استراتيجية مشتركة بين الدول العربية التي تملك الأرض الشاسعة الصالحة للزراعة والدول العربية التي تملك النفط والموارد المعدنية. فكل منهما في حاجة إلى التعاون المشترك لتأمين الغذاء خارج الضغوط الدولية التي جعلت من التغذية سلاحا فتاكا لمحاصرة الضعفاء، المحتاجين إلى الخبز .
فهل يستطيع العالم العربي في وضعيته الراهنة تحقيق هذا الهدف. السؤال سيظل مطروحا إلى زمن آخر.
أفلا تنظرون…؟

الكاتب : محمد أديب السلاوي - بتاريخ : 17/04/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *