بأصوات متعددة: ما معنى أن تكتب عن ذاتك؟

عبد الحكيم الزاوي

قد تكون الكتابة فعل استشفاء من تشابكات الحياة، بلسما من أجل تضميد خيبات الزمن التاريخي، رهانا من أجل تثوير الواقع، بما هو واقع محايث للهيمنة والنزوع السلطوي، وواقع مصر على المكر وخيانة العقل، وقضم تراكمات الإنسانية.

ذاتك قد تكون مرآة للواقع، نافذة على علبة أسرار هذا العالم الملغز، حديقة سرية تكشف عن غميس الأشجان، عن مملكة الشر، أو حتى عن سفينة الحمق، قد يستبد بك شعور رهيب بالخوف، بالقلق والتوجس، من عالم الناس الذي صار مخيفا، موحشا، خائنا لعقل الأنوار، ومرتدا عن الأخلاق والتصوف الباطني، التوحش والأناركية أضحت عملات نقدية لبشرية هذا القرن.
ستجد ذاتك مترنحة بين فسطاطين، هل تعود إلى الماضي وتسترد منه ثراته؟ أم تنسكب في الحاضر، وتستغرف من فضائله؟ عله سؤال عميق يخلق امتعاضا لكل من تجرأ على اقتحام الذات، وتتبع سكناتها الوجدانية والحضارية.
أن تكتب عن ذاتك، وتسبر غميس أحاسيسك، في عالم مثخم بالإحباط، وواقع مكتظ بالنكسات، فأنت كمن يصعد بالصخرة إلى أعلى الجبل، ويستعيد جذوة سيزيف، أو مثل طائر الفنيق الذي يحترق من أجل أن يبعث من رماده من يلقي بالأمل في الحياة، أو حتى طائر الكولبري العنيد الذي يبصق قطرة ماء ليطفئ الحريق وسط اندهاش حيوانات الأجمة.
أن تحاول فهم ذاتك وذوات الآخرين، أن تنصت لأشجانك، لتطلعاتك وإحباطاتك، فلكأنك تمارس تعذيبا وحشيا في زنازن منفردة، فقط لأنك ترى العالم بعين لا يراها غيرك. عندما تستقرأ ذاتك، فأنت تفترض وجود قارئ نبيه وشغوف، وليس قارئا كسولا، يتعثر فهمه بين النصوص، ويتيه في اللغة ومحسناتها، قارئ فضولي وناقد، يمقت المستنسخات، متسكّع على الضّفتين، متنزّه بمفرده، لا يحبّ العمل في المكتبات العامة، يذرع المدينة متوقّفا أمام ملصقات السينما، أمام واجهات متاجر الكتب ومحلاّت المقتنيات القديمة، وحين يكون حاضرا في مدينة أجنبية، فإنّه يلج المكتبات كل يوم، إنه كذلك قارئ يعتقد أن القدماء لم يقولوا كلّ شيء، لكنّه، ولكي يتثبت من ذلك، يعمد إلى دراستهم، وبهذا وحده سيتجنب تكرارهم، كما قال الناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو

الكاتب : عبد الحكيم الزاوي - بتاريخ : 16/11/2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *