دستورية ثقافة الترافع و الاحتجاج وضرورة  صياغة حلول …

مصطفى المتوكل الساحلي

جاء في الفصل 25 من دستور المغرب.. «حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها…».
سمي العقل عقلا لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك …
(***)
إذا كان لله لا يعبد بالجهل وبمخالفة للوعي والعقل ، وإذا كانت المصلحة لاتتحقق مع وجود المضرة والفساد، وإذا كان المتلقي متزمتا ومتعصبا وغير ديمقراطي، فإنه لايدرك قيمة السماع الرصين والفهم الجيد …فإنه كلما رأيت التخلف جاثما على مجتمع ودولة، واللاتواصل واللاتفاعل هو السائد، وطغيان حوار الطرشان ، فاعلم أن الأمور ليست على ما يرام، وأنها تسير من سيئ إلى أسوأ..
إن الوعي الجماعي وجسد المجتمع يتعرض ادعاء لعملية إعادة التشكيل والبناء بطريقة غير راشدة.. ينتج عنها إضعاف الآخر، وجعله يقبل ويخضع لواقع لايحظى برضاه، لتجنب وقوع الأسوأ الذي يعاني منه الآخرون.. فعدم استحضار مآلات إجراءات وقرارات مدمرة للتوازن والتماسك والعدالة، ستصبح معه المؤسسات خصما محتملا أو مباشرا يتعذر عليها ويصعب التجاوب مع الناس وحل الإشكالات، وتكون أميل وأقرب لاستعمال الآلة الزجرية والمقاربة الأمنية عوض الآلة التشاورية والتواصلية والتوافقية والتنموية، خاصة وأن هناك من يعشق تغذية وإذكاء منحى القطيعة بمرجعيتين مختلفتين عدمية وأصولية تسعى لإدخال البلد في احتقان وتصادم وصراع متعاظم ييسر وفق تحليلهم الفوضوي تفكيك المجتمع والمؤسسات، ليقام على أنقاض الكل عدمية وديكتاتورية لاتبقي ولاتذر، حيث لاحرية ولا ديمقراطية ولا عدالة ولا تنمية اجتماعية..
إن الخوف المتوهم من كل حركة اجتماعية ومطلبية، له علاقة بتوجس انتشار الحراك إلى فئات أخرى إن تمت الاستجابة لمطالب محتجين أو متظاهرين أو مضربين، والحال أنه لاحراك ولامطالب ولا احتجاجات بدون وجود أسباب وحاجة ولضرورة إسماعها بالصوت والصورة وفي الفضاءات العمومية، بعد ما لم تفلح الشكايات المودعة بمكاتب المؤسسات ولا البيانات والمذكرات والرسائل عبر مختلف مواقع التواصل، فإن اللجوء إلى أساليب التعبير عن الرأي الأخرى،أمر مشروع وهي التي تشير إليها التشريعات وتبيحها بل وتجيزها وتنظمها، تعلق الأمر بالترافع و العرائض، أو الوقفات و المسيرات والتظاهر، أو الإضرابات ..وهذا لايعني أن تضمن الحكومة كل ذلك ولا تتفاعل إيجابا مع إرادة الشعب، لأن الصراع سيأخذ منحى تصاعديا بسبب ما سيصبح تعنتا حكوميا وعدم الاستعداد لمعالجة أسباب الاحتجاج…
إن إقرار ذلك في الدستور والقوانين التي تحتاج إلى تطوير وإشباع بالتوجهات الديمقراطية التقدمية، يعتبر من مؤشرات وجود تطور في عمل الدولة وانفتاحها على الشعب والحريات وحماية وتنظيم الحق في الاختلاف والحق في المعارضة ورفض السياسات التي تلحق الضرر بطبقة اجتماعية أو فئات منها …كما يدل على أن الشعب هو المرجع الأسمى الذي لاتستقيم السياسات إلا به ومعه ومن أجله برعاية وخدمة مصالحه بعدالة شاملة وتنمية مطردة ومستدامة ،كما يدل على أن القُوى الحية غير المشاركة في الحكومة أو التي تعتمد قواعد المعارضة، قد يكون رأيها وتوجهها ونظرها وبدائلها أفضل من التوجه الرسمي..
إن الاحتجاج والتظاهر والانتقاد البناء، يعتبر من الآليات التي تثير انتباه الحكومة، عندما تغفل أمرا ما أو تتجاهله أو تستخف به ، أوعندما تتعصب لرأيها أو تتخذ قرارات يعترض عليها الشعب أو جزء منه ، وهو في مصلحتها يحفزها أكثر لتتجاوز وتتجنب المعالجات الميكانيكية والمحاسباتية الضيقة لاختلالاتها ومشاكلها والإكراهات التي تصطدم بها، رغم معرفتها بأنها مؤقتة وغير جوهرية، ورغم إدراكها بحجم الأضرار والتراجعات التي ستلحق بالناس بسبب ذلك..
إن الشاذ في المسائل الفقهية ليس قاعدة ولا يعتمد في التأصيل والتقعيد والتشريع ، والممارسات وردود الأفعال غير المتوازنة واللامسؤولة تتعلق بصاحبها ولا تتعداه ،كما أن قرارات وإجراءات الحكومة أو أي مؤسسة أو شركة ترتبط بها وتتحمل تبعاتها إيجابا وسلبا ولا يمكن لها أن تنسب سلبياتها وإخفاقاتها وتسقطها على غيرها، إنها – الحكومة – وفقا للدستور هي نتيجة لانتخابات أفرزت خريطة سياسية «تمثيلية»، ونتيجة لتحالفات شكلت بها أغلبية، لتكون بذلك ممثلة وحاكمة باسم الإرادة الشعبية، ومن هنا، فالمنطق أن تكون سياساتها مع الشعب وغير متضاربة مع مصالحه وحاجاته..
إننا جميعا في حاجة إلى التأطير والتكوين والإرشاد والتوجيه والنقد حكومة وأحزابا ونقابات ومجتمعا مدنيا وشعبا، فالتواجد في مراكز القرار لايعني العصمة وامتلاك المعرفة الأمثل والأستاذية وأن الآخرين قاصرون وغير ناضجين ولايعرفون مصالحهم…
إن كل أشكال الحراك التي شهدناها خلال العقد السابق وخاصة الحالي، الفئوية منها والقطاعية والمحلية لأسباب مختلفة حقوقية واجتماعية واقتصادية ومعاشية، أبانت أن هناك إشكالات واضحة لاعتبارات موضوعية وذاتية، جعلت الدولة والأحزاب والنقابات .. على هامش الحراك توقعا وتأطيرا وتنظيما وتوجيها ومواكبة، ولعل من أسباب ذلك غياب التواصل والتشارك وسياسة القرب، وعدم تحديث النخب، وتبخيس دور التكوين وتعطيل تجديد الفهم ومناهج العمل. ولقد تجلى هذا في محتوى الخطابات والتصريحات والشعارات وطبيعة المطالب المرفوعة…، لهذا لاغرابة في أن يبادر الشباب والطبقات المسحوقة والفئات والقطاعات المتضررة ، والساكنة ببعض المدن كما في بعض المناطق القروية، إلى صياغة مبادراتهم وترتيب أولوياتهم وخوض نضالاتهم بدل انتظار من يمثلونهم ويفترض أنهم يتحدثون باسمهم ويدافعون عنهم، ولسان حالهم يعمل بحكمة الإمام الشافعي الذي قال:
((ما حكَّ جلدكَ مثلُ ظفرك ** فَتَوَلَّ أنْتَ جَميعَ أمركْ)).
(*) وندرج هنا على سبيل الاستئناس ما ورد في تقرير المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سنة 2008: ((… الاحتجاج هو واحد من وسائل التعبير وإبداء الرأي الأربع المتمثلة في وسائل فردية ووسائل جماعية ووسائل شفهية وأخرى مكتوبة. وهي وسائل رغم ما يبدو عليها من انفصال عن بعضها فإنها، على الأخص، في حالة الاحتجاج تتداخل، بحيث يتم الجمع بين التعبير الشفهي أو التصويري ، وذلك بالإضافة إلى أن الاحتجاج يتم مصحوبا بهذه الوسائل التعبيرية في الشارع العام، في شكل وقفة أو اعتصام أو مسيرة أو تجمع خطابي، على مرأى ومسمع ممن حضره… فمن جهة هناك توسع يشهده هامش الحريات بالنسبة للأفراد والمجموعات في المغرب ومع ازدياد ترسخ الرأسملة وزحف العولمة وتأزم الأحوال الاجتماعية، ومن جهة ثانية، هناك تراجع الدور التأطيري للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية للمواطنين كما للشغيلة، وهناك تعاظم مخاطر الحركات الإرهابية.. ويظل مفتوحا على مختلف أنواع.. الانفلاتات والانزلاقات وغيرها من التجاوزات الأمنية أثناء مراقبته أو تتبعه أو مجابهته وكذا أثناء تداعياته الأخرى الإعلامية منها أو القانونية والقضائية..
إن الاحتجاج في المغرب كما في غيره من البلدان لم يعد مجرد ظاهرة آيلة للزوال، يكفي مقارعتها بالإجراءات الأمنية، بل وسيلة متعددة الأشكال والأساليب للمشاركة المتساوية في التعبير والجهر بالحاجات غير المشبعة ولإبداء الرأي في طرق وسبل معالجتها، وأن إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة إنما كان من بين أهدافه النبيلة إطلاق حقوق الإنسان وحرياته، وفي مقدمتها الحق في حرية التعبير وإعلان الرأي بأي وسيلة سلمية يتم اختيارها بما في ذلك الاحتجاج، وعدم تكرار الانتهاكات الجسيمة التي عرفها المغرب سابقا إزاء هذه الحقوق والحريات.)

الكاتب : مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 16/11/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *