رسالــة جيــل لجيــل

سعيد بعزيز

رحل الرجل الاستثنائي، المجاهد عبد الرحمان اليوسفي، تاركا وراءه رسالته للأجيال القادمة، رسالة تنطق بالصدق والمروءة والوفاء، من شخصية تاريخية بصمت بأسلوبها المتميز والقائم على المسؤولية والالتزام الواضح بالمبادئ والإخلاص والوفاء مرحلة مهمة من تاريخ المغرب الحديث.
هو الرجل الاستثنائي الذي رحل في صمت، وشارك في مراسم تشييع جثمانه مختلف الشعوب التواقة إلى قيم الحرية والعدالة عن طريق الإعلام والفضاء الافتراضي، بعدما اقتصر الحضور الفعلي على الكاتب الأول للحزب ورئيس مجلسه الوطني، وثلة قليلة من أفراد العائلة والأصدقاء، بسبب الظروف الاستثنائية، ظروف جهاد المغاربة من أجل الحد من تفشي جائحة فيروس كورنا ـ كوفيد 19.
طوال حياته كان حاملا لرسالة الدفاع عن القضايا العادلة، نصيرا للكادحين والمستضعفين، مرتبطا بقضايا حقوق الإنسان، وحقوق العمال، وكل قيم الحرية والعدالة أينما حل وارتحل.
فلما انتقل القائد الاتحادي الكبير عبد الرحيم بوعبيد إلى جوار ربه، يوم 08 يناير 1992، تعهد من جديد بحمل الرسالة والثبات عليها، قائلا في كلمته التأبينية « قسما يا أخي عبد الرحيم، إننا لجهادك لمواصلون، وبما ضحيت من أجله لمتشبثون، ولتراثك النضالي لحافظون».
ظل المجاهد والقائد والإنسان رمزا للمقاومة والوطنية الحقة، مدافعا عن الخيار الديمقراطي، وبقي محافظا على عهده، ساهرا على أداء الرسالة الاتحادية، بالقول والفعل، بكل جرأة وصدح بالحقيقة، ونكران الذات..
ففي يوم 04 فبراير 1998 خاطبه جلالة الملك الراحل الحسن الثاني لحظة استقباله وتعيينه وزيرا أول، قائلا «إنني أقدر فيك كفاءتك وإخلاصك، وأعرف جيدا منذ الاستقلال أنك لا تركض وراء المناصب بل تنفر منها باستمرار، ولكننا مقبلون جميعا على مرحلة تتطلب بذل الكثير من الجهد والعطاء من أجل الدفع ببلدنا إلى الأمام».
هي رسالة حافظ عليها وصانها حتى بعد تجربة التناوب التوافقي، إذ كانت انتخابات 27 شتنبر 2003، بالنسبة له منعطفا نحو الديمقراطية الفعلية، وإلا فالديمقراطية في دول العالم الثالث، ولاسيما منه العالم العربي والاسلامي، ستظل مطمحا بعيد المنال، كما جاء في رسالته الأخيرة، فظل محبا ومخلصا لوطنه رغم الخروج عن المنهجية الديمقراطية، وإعلان اعتزاله للسياسة.
هي رسالة مناضل، فقيد الحركة الاشتراكية والحقوقية الأممية، الذي ارتبط مساره الشخصي بمساره النضالي والوطني.
هي رسالة وضعها أمانة على عاتق الأجيال الحالية والقادمة، معتبرا كتابه «أحاديث في ما جرى»، تجديدا للعهد وتذكيرا بالقيم والوطنية الصادقة وكل الدروس النضالية في الدولة والمجتمع، إذ قال في كلمته بمناسبة تقديم هذا الكتاب في مسرح محمد الخامس، يوم الخميس 08 مارس 2018، إنه رسالة للأجيال القادمة وفرصة لنذكر بقيم الوطنية الصادقة، مضيفا «إن مذكراتي هي رسالتي التي أوجهها إلى الأجيال القادمة التي أعرف مقدار شغفها بتاريخ ومستقبل وطنها .. إنني على يقين أن هذه الأجيال التي تتصالح مع ماضيها ستحسن صنع ذلك المستقبل مادامت مستوعبة لكل دروس قيم الوفاء والمواطنة والعطاء».
إنها رسالة جيل لجيل.

الكاتب : سعيد بعزيز - بتاريخ : 03/06/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *