سياسة هجمات «الضباع».. تمزق لتقتل وتفترس..

مصطفى المتوكل الساحلي

 
جاء في الحديث: (يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ : وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ).

إن ما حصل باستهداف الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والعديد من مناطق العالم، بانتهاج سياسة هجمات الضباع بالمجموعات التي تتلذذ بتمزيق الضحية  وتشرع في قضم أطرافها وهي حية لترهب كل من يعلم بوجودها وتحركاتها حتى يخلو لها الجو وتبسط نفوذها على كل من أضاع وفقد قوته وعصبته من السباع والذئاب والكلاب والبشر.. يقصد منها تقسيم دول وتوزيع مناطق للنفوذ والامتياز  لتحويلها إلى مراع خاصة تخضعها لحمايتها المزعومة لضمان استمرار الابتزاز وخدمة ما يصطلح عليه المصالح القومية لذلك الطرف الغربي أو الشرقي، وفي نفس الوقت تنمية واستدامة الخضوع والتبعية العمياء عن طريق خلق لوبيات المنافع والريع التي لايهمها الوطن ولا الهوية والتاريخ ولا المستقبل القريب والبعيد..
فنتائج اتفاقية «سايكس» و«بيكو» من تفاهمات التواطؤات بين دول تحتاج إلى طبخ أسباب وإعداد  اتهامات وافتعال خلافات ونزاعات لتبرير هجمات تتعدد أسماؤها من استبقاية إلى احترازية إلى استئصالية،  عمل مشترك لغرس وتكريس سياسات الإضعاف والتفكيك والتفتيت ليسهل شفط ما تحت الأرض وهضم ما فوقها وتطويع من يعيش عليها ..
إن ما حصل في العراق ويحصل في سوريا واليمن ويتهدد ليبيا ويستهدف مناطق الصحراء والساحل على امتداد عدة دول، أمر لاتختلف نواياه وأهدافه عن السياسات الاستعمارية عبر الأزمنة وإلى عصرنا هذا، فمرة يكون التدخل المباشر وأحيانا يكون بالوكالة وثالثة يكون بخلق مجموعات بمرجعيات مختلفة منها «السلفية الدينية»، ومنها البعض ممن يطلقون على أنفسهم صفة»الثورية»..الخ،  فيدعمون بالأموال والسلاح، وتبسط لهم أذرع تحميهم من الفشل والهزيمة الساحقة في تواطؤ مفضوح يعلمه الجميع لكن يتجاهله ويتنكر له من يحضن الفتن ومن يعاني منها …
إن نتائج تلك الجماعات والحروب المتعمدة بمرجعياتها المختلفة وأهدافها مشتركة واحدة، فالذي يدعي إقامة «دولة الخلافة» وهو متناقض في مواقفه وجرائمه وفتاواه وخطبه مع روح الدين وعدالة لله ..مثل من يدعو لزرع وصنع بؤرة يسميها «ثورية»  لخلق عدم الاستقرار كطريق للحكم وهو لا يملك ولايستطيع العمل في استقلالية، حيث ييسرون للغير ولأعدائهم التحكم والسيطرة والبطش  ..ويتحولون إلى محترفي سياسات الاستنزاف والابتزاز الاقتصادي والسياسي، ينضافون الى كيانات مصطنعة تجند وتوظف كلوبيات تشعل المشاكل تبعا لمصالح الفكر الاستعماري في منتديات قارية ودولية لأغراض غير سليمة ولا بريئة تشبه لوبيات مجموعات ضباع  البراري التي تنهش اللحم وتأكل العظم…
إن مبررات والأسباب المبنية على الكذب واختلاق المخاطر للهجوم الامبريالي واحتلال أراضي دولة العراق وإتلاف واستنزاف ثرواتها وتخريب منجزاتها وبنياتها ومصانعها ..الهدف منه إضعاف والقضاء على  عنصر توازن مهم في الشرق الأوسط  والذي كانت تلعبه دولة العراق.. – مع الاختلاف معها في بعض توجهاتها وسياساتها  الداخلية ومع البعض من الجيران – .. وبعد انخراط الدولة المصرية في مصالحة وعلاقات مع الكيان الإسرائيلي منذ «كامب ديفيد».. أصبحت  العراق تشكل بالنسبة لإسرائيل عدوا خطيرا لايؤتمن جانبه وأنه كذلك قبة في وجه المد الشيعي الإيراني  الذي يتواجد كمذهب في مناطق عدة بالعراق نفسها والسعودية والكويت والبحرين واليمن والذي سيساهم إن تقوى، في زعزعة الأمن والاستقرار بالعالم العربي والإسلامي وخاصة بالشرق الأوسط …إلخ.

إن استرجاع مسارات الثورة الإيرانية في زمن الشاه ووصولا إلى تولي الشيعة زمام الأمور يبين أن الثورات أحيانا لاتكون كما تصورها مطلقو الشرارات الأولى والمنظرون والمضحون السابقون ..حيث تم إقصاء كل الثوار الوطنيين من مختلف الاتجاهات ومحاربتهم  ليحصد الغلال التيار الأصولي الشيعي الذي يعتنق عقيدة ولاية الفقية ويضمر معاداة المخالفين لها بالدول الإسلامية الأخرى  ….

كما أن قراءة أولية لانحراف «الربيع الديموقراطي» والذي سمي ب «الربيع العربي» حيث تدخلت وتحكمت في مساراته، بتغلغل متدرج، بعض التيارات الأصولية المتشددة المدعمة بشكل كبير من المروجين لإقامة خلافة وحكم شيوخ السنة أو من يتحالف معهم ويخدم مخططاتهم .. بما في ذلك لوبيات دولية من واضعي مشاريع خرائط التقسيم وسياسات التحكم في كل شيء، مع تعمد ضرب وإضعاف وترهيب وإقصاء قوى التجديد والتحديث والديموقراطية لأنها ليست في مصلحة الريع السياسي والإقتصادي والديني. إن الأصولية المتشددة تطلق كذلك على تيارات نافذة  في كل من اليهودية والمسيحية وحتى البوذية.. وليس في الإسلام فقط …
إن ما حصل إثر ما أُطلق عليه الربيع الديموقراطي من صراعات وتطاحنات بين التوجهات التي هي في مجملها أصولية سلفية تقليدية متطرفة إقصائية هو تمزيق للأوطان بستار صنع  إمارات ومناطق نفوذ بحكم وبيعة وعسكر وتأطير متخصص في التأجيج، حيث تتوهم كل طائفة أنها هي الفرقة الناجية والأخريات في النار، والحال أنهم كلهم هالكون وخالفوا دينهم وأنهم كلهم غير ناجين ..
وفي علاقة بقسمة الضباع تحضرنا مسألة في المواريث عند استحالة تقسيم بيت متواضع تركه هالك، فيتم الالتجاء إلى بيعه ليقسم ثمنه على الورثة فتكون النتيجة  فقدان المأوى وثمنه لا يكفي حاجيات حياة الأسرة  في العيش الكريم لأشهر قليلة .. إن هذا ما سعت وتسعى إليه الامبريالية والتسلط العالمي بكل مرجعياته الدينية والمذهبية والفكرية بتشتيت وتقسيم وتفكيك الأوطان إلى دول ثم دويلات ولم لا إلى مشيخات وقبائل وانتهاء برهن أو بيع مالا يقبل القسمة لمن يمتلك القوة والمال مع اغراقهم في الديون التي تفقدهم إرادتهم واستقلالهم، وتشجيعهم على أن يقتل بعضهم بعضا حتى لاتقوم لهم قائمة …
قال رسول الله (ص) في  حجة الوداع (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض).

الكاتب : مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 20/04/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *