قراءة سياسية ليوم الغضب الفلسطيني : بالروح بالدم نفديك يا أقصى

حمادة فراعنة

بالروح بالدم نفديك يا أقصى، بهذا هتف أهل القدس، شبابهم وكهولهم، نسائهم ورجالهم، أطفالهم من حواري : درب الألام، باب حطة، شارع صلاح الدين، وادي الجوز، سلوان، باب العمود، جبل الطور، الرام، قلنديا، الجثمانية، الشيخ جراح، باب الأسباط، أبو ديس، شعفاط، باب الزاهرة، يشاركهم الذين وصلوا من مناطق 48، من الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة الذين سبقوهم بدفع دية الحرية، والحفاظ على قدسية الموقع ومكانته، دفعوا الدم يوم 14 تموز، شباب الجبارين من أم الفحم، وها هم شباب القدس يدفعون ثمن استمرارية المشوار، وتعزيز المبادرة بيوم الغضب بالجمعة التالية 21 تموز؛ لأن فلسطين بلا روح بدون القدس، والقدس بلا قلب بدون الأقصى والقيامة، تلك هي معادلة الحياة المتسقة مع الحرية والمكملة لها، في مشوار كنس الاحتلال وطرده واجتثاث جذوره وأن يبقى وطناً للذين لا وطن لهم سواه، وطن الذين ولدوا فيه، منذ أن كانت القدس، وأن تبقى مترادفة لفلسطين كعاصمة لها ولشعبها ولكل المؤمنين الذين يؤمنون بالعدالة والشراكة والمساواة بين بني البشر .

انحياز الأردنيين وتحديات المنطقة
في عمان تجاوب الأردنيون بالدمع، مع دماء المقادسة وأهل فلسطين، بالهتاف والمشاعر والانحيازات المعنوية وتوصيل صوت الاحتجاجات السياسية والتظاهرات الجماهيرية، بدءاً من المسجد الحسيني الكبير، مروراً بشارع المهاجرين، الذي أول من استقبل على حوافيه فقراء اللاجئين الفلسطينيين عام 1948، فسمي بشارع المهاجرين، حينما كانت عمان تلتف حول نبع رأس العين، التي انتهت عندها مسيرة الأحزاب الوطنية والقومية واليسارية، وهتفوا معبرين عن ضمائر الأردنيين وانحيازهم لأشقاء الروح في فلسطين، فقد سبقهم وعبر عنهم الخطاب الأردني في قمة الرياض بحضور الحاكم الجديد للبيت الأبيض ترامب مع قادة 53 دولة اسلامية، يوم 21 أيار، حينما تلى عليهم رأس الدولة جلالة الملك عبد الله بن الحسين، أربعة تحديات تواجه المنطقة، كما نفهمها نحن الأردنيين بقوله :
نلتقي اليوم لنطور رداً فاعلاً على التهديدات الخطيرة التي تواجه عالمنا، ومن شأن المواقف والأفعال التي نتبناها اليوم أن تحدد مستقبلنا في قادم الأيام، لذلك يتوجب علينا أن نعمل بشكل تشاركي ضمن أربعة محاور رئيسية هي (وقد حددها الملك كما يلي ) :
1 – قبل كل شيء، أمامنا تحدي الارهاب والتطرف.
2 – والتحدي الرئيس الثاني البالغ الأهمية يتمثل في الوصول الى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، يستند الى حل الدولتين، ومبادرة السلام العربية، وهذا سيضمن نهاية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وسيحقق السلام للجميع: الاسرائيليون، والعرب، والمسلمون.
3 – حماية القدس يجب أن تكون أولوية، فالمدينة المقدسة ركيزة أساسية في العلاقات بين أتباع الديانات السماوية الثلاث، ان أي محاولات لفرض واقع تفاوضي جديد على الأرض في القدس ستؤدي الى عواقب كارثية.
4 – والمهمة الرئيسة الرابعة هي تعزيز وعي الشعوب بأهمية القيم التي ستحمي وتُثري مستقبل الانسانية، وهي الاحترام المتبادل، والتعاطف، وقبول الآخر .
ولم يفهم الحضور، مغزى الخطاب الذي قرأ المستقبل، من حجم المعاناة والضغط الذي انفجر يوم 14 تموز في ساحة الحرم القدسي الشريف، وممن، من فلسطينيي مناطق 48 .

الموقف المسيحي
اليوم الأقصى وغداً القيامة قالها المطران حنا عطا الله، في رسالته للمسيحيين الفلسطينيين والعرب، بل ولكل مسيحيي العالم، اليوم الأقصى وغداً القيامة، فلبى المسيحيون النداء، وشاركوا جموع المصلين صلواتهم المعنوية بالحشد والمشاركة مع أبناء شعبهم، حتى التقطت عدسة كاميرا أحد المراقبين، المناضل المقدسي ديمتري ديلياني وهو يؤدي الصلاة، رغم كونه مسيحيا أرمنيا مع جموع المقدسين المسلمين على بوابات الأقصى المحاصر، فهو يُصلي لله الواحد، وللوطن الواحد، ولقدسه العربية الفلسطينية الاسلامية المسيحية، التي حباها الله وأكرمها، أن جعلها أولى القبلتين، وغير ذلك، حينما عرج رسوله من مكة الى السماء، كانت الرسالة واضحة أنه أسرى به من مكة الى القدس ومنها الى السماء، تلك هي عقيدتنا كمسلمين، فكيف يسعون نزعها منا، من جوانا، من أرواحنا، بعد أن سكنت ضمائرنا ألاف السنين ؟؟ .

التاريخ يُعيد نفسه
حينما سمح يهود براك، لشارون باقتحام ساحات الحرم القدسي الشريف، وتدنيسه، انفجرت الانتفاضة، والتي مهد لها الرئيس الراحل ياسر عرفات بقوله « القدس لن تكون مستباحة، فهذه قدسنا، ولن نسمح لأحد أن يستبيحها ويتطاول على قدسيتها، والقسم هو القسم والعهد هو العههد، فلسطين أرضنا، والقدس عاصمتها، عاصمتنا، ولن نسمح لأحد أن يمس كرامتها «، وهكذا انفجرت الانتفاضة الثانية مع نهاية العام 2000، بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد في شهر تموز، على خلفية تمسك أبو عمار بقضيتي القدس واللاجئين، تلك الانتفاضة التي حمت القدس، وأجبرت شارون عام 2005، كي يرحل عن غزة بعد أن أزال المستعمرات وقواعد جيش الاحتلال عن ترابها، بفعل ضربات الفلسطينيين وعمليات المقاومة الموجعة .

لم يتعلموا من دروس التاريخ
اليوم، وقبل أن تبدأ مفاوضات ترامب، تلتهب القدس وفلسطين، وسيمتد لهيبها ليحرق أصابع من يمس عروبة فلسطين وقدسية حرمها ومساجدها وكنائسها؛ لأن نتنياهو وليبرمان وأردان وبينيت وكاتس وشاكيدا ودرعي، ووزيرهم المختص بتهويد القدس ألكين، لم يستفيدوا ولم يتعلموا من التاريخ، من هزائم الطغاة وتضامن العالم مع المضطهدين .
لقد نجحت الصهيونية منذ مؤتمرها الأول في بازل عام 1897، بفعل عاملين هما : أولاً مبادراتها السياسية في كيفية استعمار فلسطين والاستيلاء عليها، وثانياً بفعل تضامن العالم معهم على خلفية المذابح التي قارفها النازيون بحق اليهود في أوروبا، وما فعله النازيون بحق اليهود تفعله الصهيونية ومشروعها الاستعماري وأدواتها التنفيذية من العسكر والأمن بحق الشعب الفلسطيني بالقدس وحواريها وما يحيط بها، وهي بذلك ستدفع ثمن جرائمها كما حصل للنازيين وسائر المستعمرين .
النازيون احتلوا أوروبا، وكان هتلر هو الأقوى، وهو الجبروت الذي لا يستطيع أحد أن يقف في وجه دباباته وسيل قذائف طائراته، احتل أراضي 28 دولة وليس ثلاثة دول كما يفعل المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، أين المانيا النازية اليوم وأين هتلر الأمس ؟؟ .
بريطانيا لم تكن تغرب الشمس عن مستعمراتها، وتحولت الى دولة تتوسل رضا أميركا، والاتحاد السوفيتي مع البلدان الاشتراكية كان يمثل سدس الكرة الأرضية، وهُزم في المباراة الاقتصادية، وسباق التسلح، ولغياب الديمقراطية ومضى، بل والدولة الاسلامية كانت تمتد من حدود اسبانيا حتى الصين، حينما كانت ترسم العدل والمساواة وتوفر الكرامة لبني البشر، ولما تغول الطغاة من حكامها كانت نهاياتهم في عهد العثمانيين، وتحولت أقطارها الى أشلاء وتبددت وتلاشت وورثها الاستعماريون على أنقاضها، فالظلم والاستعمار والطغيان لا يستقيم مع الحياة مهما بدت مظاهر القوة والغطرسة والتمكن من الضعيف.

برنامجان ومشروعان وروايتان
لم يتمكن المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي من توجيه ضربة قاتلة ماحقة لمرة واحدة للشعب العربي الفلسطيني، بل حقق برنامجه وأقام دولته على أرض فلسطين بشكل تدريجي متعدد المراحل، والنضال الفلسطيني يحذو حذو الصهيونية، فبرنامجه الوطني الديمقراطي، يسير بخطوات تراكمية وفق المعطيات المتاحة أمامه، رغم أنه الأضعف في مواجهة التفوق الاسرائيلي، ومع ذلك يواصل مشواره ويكسب انحيازات من بين صفوف جبهة العدو لصالحه، فالانحيازات الأوروبية التي صنعت المشروع الصهيوني ومولته ودعمته ووفرت له المظلة الدولية، بدأت تتراخى وتبتعد خطوة خطوة عن دعمها لاسرائيل وتتقدم خطوة خطوة لدعمها لفلسطين، مدللة على عدالة قضية فلسطين ومشروعية مطالبها .
هل تتقدم الفصائل نحو النضال ونكران الذات
بالرصاص الحي، والمطاطي، والاعتداءات بالهروات، والمياه العادمة والرائحة الوسخة، والاختناق بالغاز والحروق المختلفة، وسقط الشهداء، بعد أن قرر العدو جعل القدس منطقة عسكرية مغلقة، فهتف المقدسيون : القدس قدسنا، والأقصى أقصانا، والاحتلال وحده عدونا، وتنبه الجموع، فزادت وحشية الاحتلال وعنجهيته، أمام رخاوة موقفي رام الله وغزة الرسميتين، فبرز الأمل من خطبة اسماعيل هنية من غزة لعلها تُعبر عن موقف قياداته، وخطبة محمود الهباش من مسجد المقاطعة، لعلها تُعبر عن موقف رئيسه، فكلاهما تذكر ضرورة تناسي الخلافات والتمسك بالسلاح المفقود وهو الوحدة الوطنية، هو السلاح الجبار الفتاك الذي عمل به أبو عمار ونجح، فهل تعملها فتح وحماس وتقفزان من قرار التسلط والتفرد والتحكم الأناني من طرفيهما، الأولى تستحوذ على قرار الشرعية، والثانية تستحوذ على قطاع غزة، وكل منهما تستفردان بما لديهما، وما يوفره الاحتلال لهما، لابقاء التفرد والتحكم والمغالاة في الخصومة خدمة مجانية للعدو، ولعل شهداء القدس، وانفجار الانتفاضة، واحتجاجات الشعب المتكررة، تدفع بهما نحو الأمل المرجو، بعد عشر سنوات عجاف من الأنشقاق والانقسام والضعف والتدني، أحبطا كليهما مشاريع كفاحية كانت تتوسل النهوض، بدءاً من انتفاضة السكاكين منذ شهر تشرين أول 2015، التي تميزت بالمشاركة الشبابية من الشباب والشابات، وبالمشاركة النوعية من فلسطينيي 48 مع فلسطينيي القدس وأحبطت؛ لأن فتح وحماس لم توفرا الحاضنة الشعبية لمبادرات السكاكين .
وأحبطوا انتفاضة اضراب الأسرى يوم 17 نيسان 2017، والذي استمر لأربعين يوماً من الصمود الجماعي، قاده القائد الوطني مروان البرغوثي رافعاً شعاراً من أجل انهاء الانقسام الأسود والدعوة للعصيان المدني، وأحبطوه؛ لأن التزاماتهم بالتنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب، والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب تفوق قدرتهما على السير على خط مروان البرغوثي الذي رسمه من أجل الدفع نحو تجاوز الانقسام بحثاً عن الوحدة والعمل المشترك واعطاء الأولوية للنضال ضد الاحتلال، وليس استنزاف الذات وتآكلها في معارك جانبية ضد بعضهما البعض .

انتفاضة القدس المثلثة
لم يكن صدفة اعلان نتنياهو أنه حصل على موافقة من قبل بعض أو احدى العواصم العربية على بقاء البوابات الالكترونية، وأن موقف عمان الرافض لهذه البوابات يصطدم مع موقف بعض العرب الذين غيروا من أولوياتهم، وشاحوا بنظرهم عن القدس ودعمهم لشعبها والتضامن مع اخوتهم لها، ليضعوا الأولوية في العداء لطهران التي نختلف معها ولكننا لا نغير بوصلتنا عن القدس، كما فعلوا طوال السنين حينما أعطوا الأولوية للجهاد في أفغانستان، ولما انتهوا تحولوا نحو العراق حتى تم احتلاله وتدميره، وها هم يضعون الأولوية نحو دمشق، وهكذا يتخلون عن مسؤولياتهم الوطنية والقومية والدينية عن أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى سيدنا محمد ومعراجه .
لقد نجح ترامب في فرض الأولويات ولذلك كانت نتائج زيارته في شهر أيار لأن يكون بيان الرياض مكوناً من 29 نقطة، شغلت قضية فلسطين الرقم 24 منها أي أن هنالك 23 نقطة أهم من فلسطين والقدس، وصيغ البيان بـ 1110 كلمات ونالت فلسطين 27 كلمة فقط، مما يعكس تواضع الاهتمام بفلسطين الذي فرضه ترامب على 54 دولة شاركت معه قمة الرياض، ولذلك انتفض أهل الأقصى والقدس وفلسطين رداً على بيان الرياض، ورداً على التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب، ورداً على التهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب، ورداً على جرائم الاحتلال على الطريق الطويل الموصل نحو الاستقلال والمساواة والعودة، لا خيار أمام الفلسطينيين سوى مواصلة العمل والنضال والتضحيات والوحدة والعمل المشترك لأن يكونوا جميعاً في خندق واحد مهما اختلفت الرؤى والاجتهادات، فالعدو واحد الذي يحتل الأرض ويصادر الحقوق وينتهك الكرامات، ونحن في الأردن لا خيار لنا سوى أن نحمي بلدنا وأمننا ووحدة شعبنا وأن نقف في الخندق الداعم للشعب الفلسطيني من أجل استعادة حقوقه الكاملة على أرض وطنه، حقه في المساواة في مناطق 48، وحقه في الاستقلال لمناطق 67، وحق اللاجئين في العودة الى اللد ويافا والرملة وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع واستعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها، مهما طال الوقت .
انتفاضة القدس ورفض البوابات حلقة، محطة، خطوة اضافية على الطريق الطويل الذي بدأ بالخطوة والخطوات حتى نهاياته التراكمية المظفرة بكنس الاحتلال، واجتثاث الظلم، وتحقيق العدالة والمساواة، لكل من يرغب أن يعيش في ظل الكرامة والانسانية والتعايش المشترك .
h.faraneh@yahoo.com
كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والاسرائيلية

الكاتب : حمادة فراعنة - بتاريخ : 26/07/2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *