لعنة الفساد وتخريب البلاد !

اسماعيل الحلوتي

 

لأن الفساد آفة اجتماعية خطيرة، تضرب في العمق أي مجهود تنموي وتنعكس سلبا على الاقتصاد الوطني وعيش المواطن، ولأن إسقاطه أضحى مطلبا شعبيا ملحا، فقد جعلت الأحزاب السياسية من مكافحته شعارا انتخابويا، ترفعه كلما حل موسم الاستحقاقات الانتخابية، لدغدغة عواطف الناخبين طمعا في أصواتهم، وتخصه الحكومات المتعاقبة باهتمام في برامجها، دون أن تكون قادرة على الحد من استشرائه، حتى تحول إلى لعنة تطارد العباد وتدمر البلاد…
وإذا كانت حكومة ما بعد دستور 2011 بقيادة أمين عام حزب العدالة والتنمية عبد الإله ابن كيران، التي جاءت على صهوة شعار حركة 20 فبراير «إسقاط الفساد والاستبداد»، أخطأت طريقها إلى قلاع الفساد الحصينة، واكتفت بوضع «الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد» على بعد شهور قليلة من الانتخابات التشريعية. فها هي حكومة خلفه رئيس المجلس الوطني للحزب نفسه سعد الدين العثماني، تستهل ولايتها المتعثرة بمرسومين، يتعلق الأول رقم: 2.17.227 بتغيير المرسوم رقم: 2.17.264 الصادر في 28 رمضان 1438 الموافق ل23 يونيو 2017 بإحداث اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد، ينص على تجديد اسم اللجنة ب»اللجنة الوزارية لتعزيز النزاهة والشفافية بالمرافق العمومية»، وتحديد مهامها واختصاصاتها. فيما يقضي الثاني رقم: 2.17.524 بتأسيس لجنة تتبع تنفيذ الاستراتيجية، ويرمي إلى مواكبة البرامج المسطرة بإشراف «اللجنة الوطنية لتتبع استراتيجية مكافحة الفساد».
فالعثماني اليوم مطوق بمسؤوليات مضاعفة، خاصة بعد خطاب العرش التاريخي الذي وجه فيه الملك محمد السادس انتقادات لاذعة للإدارة العمومية والطبقة السياسية، محملا إياها مسؤولية تدهور الأوضاع وفشل عديد المشاريع التنموية، وما ترتب عنها من غضب شعبي. إذ عليه الشروع في التنزيل الأمثل للاسترتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وإنقاذ ماء وجه سلفه الذي مقابل الحفاظ على منصبه أعلن عن تطبيعه مع الفساد في أكثر من مناسبة، كان أبرزها تلك التي استبدل فيها شعار «إسقاط الفساد» ب»عفا الله عما سلف». وهو يعلم أن كلفة الفساد بمختلف تمظهراته، من استغلال النفوذ والرشوة والابتزاز والإثراء غير المشروع والاختلاس والمحسوبية… بلغت 2 بالمائة من الناتج الوطني الإجمالي، أي ما يعادل 2076 مليار سنتيم. مما يؤثر على التصنيف العالمي للمغرب في مؤشرات النزاهة وتسهيل الأعمال وجودة مناخ الاستثمار. فمباشرة بعد «عفوه» الأهوج، تقهقر المغرب بعشر نقط في الترتيب العالمي، وصنفته منظمة الشفافية الدولية ضمن البلدان الأكثر فسادا.
وتقدر ميزانية هذه الاستراتيجية ب1.8 مليار درهم، وتتضمن 239 مشروعا من عشرة برامج، يتدبر أمر التنسيق بينها وزراء ورؤساء الهيئات المعنية. وهي برامج ذات أهمية كبرى، تتوخى تحسين خدمة المواطن واحترام الحقوق والقيم الأخلاقية، واعتماد الشفافية والرقابة والمساءلة وتعزيز المتابعة والزجر ونزاهة القطاعات. وهو ما لم يعد ممكنا معه المزيد من التقاعس والوقوف عند تشكيل لجن، ولا الاستمرار في توزيع الأحلام وبيع الأوهام، دون الانخراط المباشر في تفكيك منظومة الفساد، المتوغل في كافة المؤسسات والقطاعات العامة والخاصة، والذي عرض للنهب ليس فقط صناديق التعاضديات والأكاديميات والمعاشات المدنية وغيرها، بل طالت سمومه حتى أضاحي العيد. وصار العثماني مطالبا بكل ما يلزم من صرامة وحزم في تخليق الحياة العامة وتعزيز النزاهة والشفافية، لتحسين مؤشرات إدراك الفساد وتحقيق التنمية.
فأين نحن من إرادة التغيير ومحاربة الفساد، ورئيس الحكومة السابق يمنح تزكية الترشح للانتخابات الجزئية بدائرة تطوان المقررة في 14 شتنبر 2017 لعمدة مدينة تطوان محمد إد عمار، علما أن المحكمة الدستورية جردته من صفته البرلمانية، إثر ثبوت تورطه في فساد انتخابي واستغلال النفوذ. وفي وقت تحيل المفتشية العامة بوزارة الداخلية على القضاء الإداري ملفات رؤساء جماعات حاليين وسابقين، ينتمي معظمهم لأكبر حزبين يسيران ثلثي جماعات البلاد: «البيجيدي» و»البام». وهي ملفات ضمن أخرى كشف عنها المجلس الأعلى للحسابات، الذي مافتئت تقاريره تتضمن خروقات عن تبديد أموال عمومية وسوء التدبير المالي والمحاسبي واستعمال وثائق إدارية مزيفة وتحصيل أموال غير مستحقة وتمرير صفقات مشبوهة بسندات طلب مبالغ فيها وإعفاءات ضريبية وجمركية، وتجاوزات مسطرية في مجال التعمير والممتلكات الجماعية والتسيير الإداري والموارد البشرية، دون احترام شروط السلامة والنزاهة؟
والفساد نشأ وترعرع بيننا في بيئة فاسدة وبمباركة الدولة، من خلال تشجيعها لشتى أصنافه الاقتصادية والسياسية. وبحكم مساهمته في تقويض أسس الديمقراطية، انتهاك القانون، المساعدة على انتشار الجريمة المنظمة، المس بالقيم الأخلاقية وتخلف الدول… جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 58/4 بتاريخ 31 أكتوبر 2003 حول اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
وهو متعدد الوجوه، قد يمارسه أفراد أو مجموعات أو مؤسسات عامة أو خاصة، من أجل منافع مادية أو مكاسب اجتماعية أو سياسية. ويبقى ذو الأبعاد المتداخلة بين ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي، هو أكثر أشكاله تعقيدا. ولنا في تقارير هيئات ومنظمات حماية المال العام التي همت مجموعة من المؤسسات والقطاعات، ما تقشعر له الأبدان. إذ تم إهدار واختلاس ملايير الدراهم، كانت كافية لتحقيق التنمية وتقليص نسبة البطالة والفقر والفوارق الاجتماعية والمجالية.
إن تفشي الفساد بنوعيه الأفقي والعمودي، بين صغار الموظفين وكبار المسؤولين، يعود بالأساس إلى غياب الحكامة والمراقبة الصارمة وعدم الالتزام بالقيم، وستظل لعنته تطارد البلاد والعباد، ما لم تتوفر الإرادة السياسية وتتظافر جهود جميع فعاليات المجتمع المدني ومختلف وسائل الإعلام، والحكومة والبرلمان والقضاء لاجتثات جذوره، بإقرار عدالة جنائية ناجعة، تكفل عدم الإفلات من العقاب وربط المسؤولية بالمحاسبة، اعتماد مجموعة من المبادئ والقوانين، وخلق آليات إجرائية ومؤسساتية، لحماية المال العام وضبط التجاوزات الإدارية والجرائم المالية وتشجيع التبليغ عنها…

الكاتب : اسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 19/09/2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *