متى سيحدث صندوق الزكاة والصدقات ..من أجل تضامن وتماسك اجتماعي مؤسساتي

مصطفى المتوكل الساحلي

قال تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ للَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ للَّهِ وَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) سورة التوبة ،
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ . لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) سورة  المعارج

الزكاة ركن من اركان الاسلام  لاتسقط عن المعني بها حتى بعد وفاته وتستخرج من تركته ..ولايستفيد منها الا من حددهم الشارع او من هو  في مثل حكمهم ..اما الصدقة فهي اختيارية وتطوعية وباب تفعيلها غير محدد لابعدد او نصاب او حول او زمان او سقف معين …
فما هدف الدين  من اقرارها كركن ؟ …وهل هي عملية حسابية شكلية بسيطة لاستخراج قدر معلوم من مال معلوم او كل ما تجب فيه الزكاة ؟ , ام انها فلسفة/حكمة   انسانية اقتصادية للحد من الفوارق الطبقية ومنع كل اشكال الاستغلال و… ؟..وهل هي  امر فردي ام سياسة اقتصادية ومالية للامة   يقوم   المعنيون باستخراجها  كل حسب فهمه ورغبته وطريقته ؟.
وهل اخراجها بكل انواعها بالطرق التقليدية المتعارف عليها مازالت تحقق القصد الشرعي على احسن وافضل وجه .. ؟
اليس من الامثل والافيد ان يفكر العقلاء , ويجتهد الائمة العاملون  , وتعمل الدولة والمجتمع من اجل ان تسترجع روحها وآدابها واهدافها النبيلة الرامية الى جعل  المحتاج لايشعر بالفاقة والخصاص والفقر المذقع ليس  في  ايام العيد او بعد اي عطاء خاصة , بل كل ايام السنة عامة   ؟
قال لله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)  سورة التوبة
اننا هنا نتحدث في اطار شامل  ولانقصد  فقط زكاة الفطر بل كل الحقوق الشرعية  على الاموال والركاز والمعادن او الغلال او الانعام ..الخ  الواجبة والمسنونة  التي اصبحت تشكل وتمثل  حجما ماليا كبيرا لايستهان به والتي يتم التعامل معه بوعي او بدونه بطريقة لا تتماهى بالشكل الفعال مع المقصد الشرعي الذي يسعى الى القضاء على الفقر بتيسير اوضاع الفقراء والرفع من قدراتهم ليستغنوا عن السعاية والاستجداء  لدرجة تمس احيانا  بكرامتهم , او يتحولون  الى سلع وادوات توظف من طرف البعض  في الانتخابات , والتطرف بكل تجلياته ,و الانحراف بكل انواعه ..او يستغلون بالمتزايديين  بالدين  لتوظيفهم كاتباع مطيعين يوهمونهم بانهم يحصلون على رضى الرب بطاعة الذين يقدمون انفسهم كوسطاء يمتلكون قدرة متوهمة   لادخال الناس للجنة او النار  ..والذين ترتب على سلوكات جماعات مشبعة بالشحنات التكفيرية في العديد من الدول والمجتمعات  التفريق بين الازواج , والابناء ووالديهم وبين الاسر  , وبين مكونات المجتمع الواحد , وزرع الحقد والكراهية , وتدمير  حضارات  دامت لمئات القرون ,  وسفك الدماء وتفكيك الدول واضعافها و…الخ  , يبتغون  بذلك  التحكم في البشر والعقول , واحتكار الدين وخوصصته لفائدتهم  ومن ثم حكم الشعب بالسيطرة على الدولة , و تحويل الترهيب والارهاب من  عمل محموعات ومنظمات الى ارهاب  للدولة ,  والتاريخ مليئ بامثلة  كانت كارثية على كل المستويات ..
ان طرح هذه التساؤلات والافكار كرسالة الى كل من يهمهم الامر ببلدنا وعلى راسهم الدولة بمؤسساتها ليفكروا عمليا وتطبيقيا في الموضوع الذي يعتبر مشروعا اقتصاديا واجتماعيا كبيرا سيساهم ولاشك في الحد من الفوارق الطبقية  وسيلغي المظاهر المشينة المتجلية في احتراف السعاية بكل الاساليب المسكوت عنها  ولو  انها مسيئة للجميع مظهرا و سلوكا اجتماعيا اصبح شبه هيكلي في المنظومة المجتمعية  ..
ان « حرفة « التسول تسببت في ظهور لوبيات متخصصة في تكوين جماعات ممتهنة  لسلوك غير مقبول  لاعقلا ولا شرعا ولا حقوقيا  في  القرن 21 تمارس استعبادا وابتزازا بشعا مهينا  للانسانية ولكل من سقط في مصيدتهم الاسترقاقية او اضطر لذلك او تعمده ..حيث يستغل الاطفال وذووا الاحتياجات الخاصة والعجزة و..
ان للتسول مظاهر مختلفة يقدم بها نفسه استجداء للصدقات ..من البحث عن مبالغ مالية لشراء الادوية الى عدم القدرة على اداء فاتورة الماء او الحافلة للعودة الى بلد الاقامة ,الى التخفي وراء بيع المناديل الورقية بالمدارات, الى الاختفاء وراء ادعاء دعم اسر فقيرة وهمية ..الخ , ولم يسلم  أي فضاء او انسان منهم امام المساجد والمحلات التجارية والاسواق وبمحيط المستشفيات …
لهذا تحضر بقوة  هذه الظاهرة السلبية  في بعدها الاقتصادي والاجتماعي والتي لايقبل بها الجميع  , حيث عمد الشرع في التعامل معها الى الكراهة و المنع  و التحريم , كما عمد المشرع الوضعي الى تخصيص بعض المواد تمنع وتعاقب عليها ..كما اصبح الناس لايستطيعون بين الفقير والمنتحلين للفقر …
قال النبي (ص) في هذا الباب  : (( إن المسألة لا تحل لأحد إلا لثلاثة : رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش ، ورجل أصابته فاقة فقال ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة ، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش )) ,
وقال  أبو حامد الغزالي في « احياء علوم الدين « :(( الأصل في السؤال التحريم لثلاثة أسباب :
الأول : شكوى لله على الخلق : إذ إن السؤال إظهار للفقر ، وإن نعمة لله قصرت عنه ، وذلك عين الشكوى .
الثاني : أن السائل يذل نفسه لغير الله تعالى ، وليس للمسلم أن يذل نفسه إلا لله ، وفي السؤال ذل للسائل ، بالإضافة إلى إيذاء المسؤول .
الثالث : في السؤال إحراج للمسؤول وإيذاء له ، فهو إما أن يعطيه حياءً أو رياءً ، وبهذا يحرم على الآخذ والمعطي ..)) .
ان الدعوة بكل مسؤولية ووضوح امر بالغ الاهمية من اجل  احداث صندوق وطني للزكاة والتضامن كمؤسسة يعهد بادارتها وتثمينها  الى ممثلين للدولة وعلماء ورجال اعمال واقتصاديين  ومجتمع مدني  تحت مراقبة واشراف ورعاية مؤسسة امارة المومنين , وان تكون مستقلة عن العمل الحكومي , وتخضع للرقابة الادارية والمالية لمؤسسات الدولة المتخصصة ,  من اجل توظيفها  في برامج تنموية واستثمارية ذاث صلة بمحاربة الفقر بخلق مشاريع وشركات صغرى ومتوسطة موجهة ومجتهدة تعمل من اجل ادماج الفقراء في التنمية الاجتماعية والاقتصادية بدل توسيع وتركيز العجز لديهم ..بما في ذلك  احداث قنوات للتكامل والتآزر بين الجهات والاقليم والجماعات ..وهذا يتطلب بطبيعة الحال تدقيق الاحصاء الرسمي لتحديد  الاشخاط المعنيين بالدعم الكامل اوالمحتاجين  لدعم تكميلي او لدعم مع رعاية انسانية واجتماعية ونفسية او لتكفل كامل مادي ومعنوي ورعاية صحية واجتماعية «مثلا العجزة وذوي الاحتياجات الخاصة «..وهذا لن يتم   الا بسن تشريعات وضوابط علمية  تاخذ بعين الاعتبار عدد افراد الاسرة  ومعطيات ذاث صلة باوضاعهم  تحدد انطلاقا من معطيات  احصائية دقيقة ,  تحدث وتقر للمعنيين والمعنيات الاستفادة من عائدات الزكاة والصدقات «بحوالات» شهرية او دورية تحول الى حسابات خاصة تفتح لفائدتهم ..
فلو قمنا بحساب كل مصادر الزكاة بكل انواعها  وكل اشكال الاحسان والصدقات ..وكل انواع الدعم الموجهة للمعوزين بما يبرمج في ميزانيات الجماعات التربية المحلية والاقليمية والجهوية والقطاعات الحكومية للقطع مع  التسييس الحزبي لاوجه الاحسان ..مع استصدار بطاقات تذكارية و طوابع بريدية  مختلفة الثمن من درهم فما فوق تقتنى من المؤسسات المالية المختلفة  وكل من ترى الدولة مصلحة في تفعيل هذه المبادرة الشرعية الاخلاقية والانسانية فستكون لدىنا ثروة مهمة متنامية صافية لارياء فيها ولا سمعة ولا ابتزاز ولا استغلال من اي نوع كان ,  انها ستؤسس  لمجتمع متماسك يسند بعضه بعضا ..ويكون مضمون الحديث الشريف  محققا على الوجه الافضل  : « المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا « وشبك بين أصابعه صلى لله عليه وسلم»   – وقوله (ص):  ،..»» مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر  و الحمى ..»
اننا نستطيع ان نصل بحول لله بالخبرات المتوفرة ببلادنا كما حصل في زمن العمرين رضوان لله عليهما  الى مرحلة لانجد  فيها من هو في حاجة  لمد اليد  لمن هب ودب من البشر   لاستجداء الحصول على  دريهمات اومافضل من الطعام والالبسة    .
قال الرسول الكريم (ص): (لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ) أخرجه الترمذي

الكاتب : مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 30/06/2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *