هل كل واحد في مكانه داخل قطار التنمية الشاملة المتحدث عنها؟

بقلم : مصطفى المتوكل الساحلي

 

من بين ما قاله “داروين”  إن كل ما هو موجود هو محصلة انتخاب طبيعي أفرز كل قوانين الطبيعة والتطور، وأن كل ذلك كان مجرد صدفة عمياء وبدون أهداف..؟؟
وقال “إنشتاين” إن الفيزياء علمته أن كل شيء موجود لهدف وفي مهمة، وقال يستطيع أي أحمقٍ  أن يجَعل الأشياء تبدو أكبر وأكثر تعقيدا، لكننا  نحتاج إلى إنسان عملي إيجابي ذكي وشجاع ليجعل ما رآه الأحمق يظهر بسيطا وفي المتناول  .
وقد نجد بعض المنظرين المتطفلين على السياسة والشؤون العامة يقولون:
..إن الوضع السياسي السيء، وتشكل طبقة الكادحين ومحدودي الدخل من الشعب لم يكن نتيجة سياسات فاشلة، ولا بسبب غياب الحكامة والعدل في جميع القطاعات، ولا لضعف الدخل وسوء توزيع الثروة وتبذيرها المتنوع ..إلخ  .. بل لأنهم  خلقوا ليكونوا فقراء وفي خدمة الأثرياء وحتى  أتباعا لهم …؟!
وبأن تردي التعليم وضعفه وإفراغه من مهامه الوطنية والمعرفية والتوعوية والعلمية، وتهميش أطره وكفاءاته، وتحويله إلى كائن مخيف يتهم ظلما وتضليلا بأنه أصبح يشكل ثقلا سلبيا على التنمية بجميع أوجهها، لذا وجب وجاز عند ذلك البعض الالتجاء الفوري إلى المزيد من التخلص من أعبائه وتكلفته ولم لا جعله أقرب لمحاربة بعض أنواع  الأمية وتعليم مهني أولي لإنتاج جيوش من المعطلين لايستطيع ولا يمكن لسوق العمل والشغل أن يدمجهم ولا أن يوظف ويستثمر قدراتهم، وكأننا بهم يظنون أن طبيعة السياسة النخبوية والمصالحية تتطلب من أجل تحقيق التطور اختيار وإفراز نخب من طينة خاصة بأعداد متحكم فيها لإدارة وتدبير أمور البلاد والاقتصاد والحكم.. وأن الغالبية ماعليها إلا أن تضع نفسها رهن إشارة الأقلية ” المختارة ” و” المحظوظة” و ” المستفيدة” وتصبر وتحتسب، وأن تتجند للتصويت في الانتخابات، وتوظف في معارك بالوكالة باستغلال الدين، أو النفوذ أو المال ، أو كل ذلك وغيره ، وأن تتحمل  كل الخسارات والضربات، وأن تقبل بأن تكون ضحية وطيِّعة، .. ولا إشكال أن تنعت وتوصف بالمتنطعة والفوضوية والمنكرة للجميل !! حسب ما تراه و تخطط له بعض الأجندات السياسية المتخلفة…
وينسب البعض الفشل أحيانا إلى «الابتلاء» و”المكتوب” لتفسير تردي الخدمات الصحية، وقلة ونقص الأطر الطبية من متخصصين وتقنيين وإداريين واجتماعيين، ومحدودية قدرات وجودة بنيات الاستقبال وإيواء المرضى، وعدم مواكبة التجهيزات والمختبرات والآليات للتطورات والضرورات الاستشفائية المتنوعة، وهشاشة واضحة في خدمات صحة القرب في الجماعات الترابية القروية وحتى الحضرية، مما يجعل شغيلة قطاع الصحة  في حيرة من أمرها أمام إكراهات  يرفعون بشأنها تقارير ويعلنون عن بعضها  للعموم ويسرون البعض الآخر؟!
إن وجود نسب كبيرة من البطالة والعطالة وسط الشباب خاصة، ومن له القدرة على العمل عامة، وما يترتب عن ذلك من فقر وهشاشة واحتقان اجتماعي و.. ليس بسبب عدم القدرة على العمل  أوالرفض .. بل نتيجة للسياسات اللاجتماعية واللاشعبية والتي من تجلياتها قلة فرص العمل والتشغيل .. ، ونمو ضعيف  في الاستثمار والتنمية الاقتصادية، وتعامل غير عادل في تدبير وتثمين الثروات الوطنية المادية واللامادية..

إننا أمام تطرف في التنظير للتحكم في كل شيء  فاق ما ذهب إليه أصحاب الفرز والانتقاء الممنهج والمتعمد والطبقية ببعدها اللاإنساني التي تسعى  لاحتكار آليات الفتح والإغلاق  في كل شيء، وكأن الموضوع قضاء وقدر، تعلق الأمر بالأحلام والآمال أو الطموح وإلارادات ، أو المبادرات والأعمال …إلخ.
إن ممرات مطالب وأهداف وتضحيات وتحمل  ومعاناة عامة أبناء الشعب، ليست كمسارات ومرامي المحظوظين الممتلكين لسلطة وقوة المال والنفوذ والقرار، فأبناء الشعب تصطف أمامهم الصعاب صفا صفا، وتقبع لهم الإكراهات عند كل مفصل وباب، ليس لهم إلا  الصمود و الصبر والتضحيات هم وأسرهم في مواجهة الشدائد والمحن، مستأنسين بقوله تعالى (.. إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا..) ، يكابدون ويبذلون كل الجهد لعلهم يجدون مكانا يتجاوب وقدراتهم وطموحهم، وآذانا تسمع آلامهم ، وعقولا ترحم  ضعفهم ..  وهم على تلك الأحوال ما بين التشاؤم والتفاؤل والفرج والكربات،  يرون من تهيأ وتبسط  لهم، بكل السهولة واليسر، الطرق والحلول  والبدائل، وتتنوع أمامهم الاختيارات ، وتوفر لهم كل الحاجيات والضروريات والكماليات  ليصبحوا  رجال ونساء أعمال كبار ومؤثرين حتى وإن انقطعوا عن دراستهم ومسار تأهيلهم، فتكون لهم القدرة ليشغلوا  تحت إمرتهم خبراء وأطرا وكفاءات وطنية وعالمية ومتميزة ، لهذا لاغرابة أن يكون كبار الأساتذة والأطباء والخبراء يعملون تحت إمرة صاحب سلطة المال ولو كان لا يفهم لا في التعليم ولا في الطب أو الهندسة، ولا يعرف أحيانا حتى فك الحروف ناهيك عن التخطيط المرحلي والاستراتيجي للشؤون العامة  .. !! وهذا هو مذهب الذين يقولون إن المال و الثراء هو كل شيء وما سواه يـخدمه ، ومذهب الذين يسعون لكي لا يتعلم ويعلم الناس ما ينفعهم .
..إن الذي لايملك رصيدا معرفيا وتجارب واعية لايعرف مطالبه وسقفها، ولا يفهم في طرق تدبير تطور مجتمعه وحماية وتثمين مكاسبه ، كما أن الذي يجهل قيمة الحرية والعدل لايهتم بهما إطلاقا ولايعنيان له شيئا، ولا يؤمن بنضال وتضحيات الآخرين لافي الزمن الغابر ، ولا سنوات الجمر والرصاص ، ولا حتى المعاصرين له .. فيتخصص في الإساءات والنقد الهدام والتبخيس والاستهزاء والاستهتار حتى يخلط بين الصالح والطالح، والمصلح والمفسد ..فيجعل الأرض خلاء خاوية من الضمائر الحية المتنورة و لايرجى من سكانها أي خير أو فضل، وأن ” أبناء عبد الواحد كلهم على شاكلة واحدة ”  ..؟!
إن طغيان المال والثروة على النفس في غياب العلم والوعي يمكن أن يحول البعض إلى كائنات سياسية وانتخابية يتعاملون مع الناس بأسلوب الأسواق  يجمعون الأصوات كما يجمعون الأموال، حتى يضمنوا، حسب طموحهم، مواقعهم ورغباتهم، ويحصنوا منابع ثروتهم وريعهم بتبوئهم لمسؤوليات انتدابية لا يهمهم تحت اسم أي حزب ولا أي مذهب ، ولا يحرجهم أن يغيروا توجهاتهم بين استحقاق وآخر .. ولا يهتمون  للإساءات التي يلحقونها بوطنهم وشعبهم ، ولا يأبهون للصورة المبتذلة   التي يقدمونها لكل ديموقراطيي العالم ..؟!
إن بعض الشروحات والتأويلات المغرضة تعلقت بالظلامية أو بالعنصرية أو الاستعباد ..إلخ  تجنح إلى اعتبار سلطة المال  قادرة على فرز نخبها التي  تستحق كل شيء، بما في ذلك التحكم في توجيه إرادات الناس وتقنين حرياتهم المشروعة، وتمنح لنفسها القدرة على التملك والاغتناء بأقل جهد وحتى بدونه، ولها أن تنعم بالمكتسبات والامتيازات بما في ذلك الوعد بالفوز بخير الدار الآخرة  لأن التصدق بالقليل من المال تمحى به الذنوب، وتغفر المعاصي بالتوبة والكفارات، وتبنى القصور في الجنة بالمساهمة بما تيسر من النقود في بناء مسجد أو مساجد ، وله أن يترك “صدقة جارية”  من ماله ترفع رصيده من الحسنات وتحط عنه السيئات  لسنوات بل حتى لقرون ولم لا إلى أن تقوم الساعة إن اراد ذلك ،،؟!
..ومن الناس من  يرى أن هناك أنوعا من البشر  الأسوياء لايستطيعون تحقيق ولا إنجاز أي شيء، وليس لهم أن يطالبوا بأي حق ، وإن فعلوا اتهموا  بأنهم غير صالحين، وقد يتحولون إلى  أشخاص خارجين عن الاجماع و عن الأمة ..
إن “هلاك” الثقافة والعلم  والوعي والضمير والفكر النقدي عند الشعب، يجعلنا في وضع أكثر تعقيدا من الذي توفي و لاوارث له ، فمن سيرث التراث والثقافة والمعرفة والعلوم والتاريخ المضيء لأعمال وإنتاج ومبادرات ونضالات الشعوب ضد الاضطهاد والظلم والاستعمار والاستبداد والقمع والاستلاب والتبعية العمياء و ضد الفقر والجهل ..؟؟ ..فكل أمة تنكرت وأساءت لتاريخها تفقد بوصلتها وطريقها وهويتها وخصوصيتها ..
..إن جزءا مهما من حصيلة قرون منصرمة تعرضت للهلاك والتبديد فلم يصلنا منها إلا ما نرى، حيث تضرر العديد منها بالتحريف والتشويه، وذلك إما بسبب العداء والكراهية،  أو إهمال وتحقير العلوم والمعارف والفكر المتنور وجميع أنواع الإبداع ، أوبسبب جهل بعض ” المتفيقهين ” الذين تخصصوا في تكفير وتفسيق خيرة العلماء  كلما أشكل على عقولهم استيعاب أي تطور ..أو كلما أحسوا بأن مصالحهم وامتيازاتهم  مهددة …
إن الفكر المتزمت والمستبد والذي يجهل أنه لايعلم ولا يفهم ولا يتدبر  شيئا مما علم وتعلم ..تسبب ويتسبب في هلاك الثقافات والحضارات والديانات والدول …
إن من مرتكزات تقدم المجتمعات والدول أن يعرف المسؤولون، ترابيا ووطنيا، قطاعيا وخدماتيا، بحقيقة أحوال الناس وأوضاعهم وطباعهم، ومستويات عيشهم وآلامهم وأفراحهم وقدراتهم وآمالهم وطموحاتهم،  فالذي لايعرف أو يتجاهل لايمكن أن يفكر في ما يفكر فيه الناس، ولا يستطيع أن يعمل وفق ما تحتاجه المرحلة من بناء والمزيد من العمل والبذل والعطاء ، ولا يسعى بإخلاص لما فيه فلاح الناس والوطن بـجعل العدل والعدالة أرضا وفراشا وغذاء وشرابا وغطاء وهواء الشعب ..
إننا نعيش مرحلة من التردي ونتعرض لهجمات وموجات من  ” الوعي” المزيف الزائف والمستلب والهش التي تخرب كل شيء، والتي توظف لتصارع وتواجه وتحارب لتهزم أو تضعف  الوعي المتنور المشبع بالحس الوطني والإنساني .. لهذا يشقى ويتألم  أكثر من أخذ عقله حظا من الوعي الإيجابي .
قال المتنبي :
«ذو العَقلِ يَشقَى في النّعيمِ بعَقْلِهِ (**) وَأخو الجَهالَةِ في الشّقاوَةِ يَنعَمُ».
إن  القطار الذي تختلف عرباته ما بين :  مافوق الممتازة والجيدة بكراسي وثيرة ومحددة والتي تعرف فسحات وفضاءات رحبة للجميع مجهزة بكل ما تطيب به النفس، وباقي العربات المتأرجحة بين المهترئة وشبه  القديمة والمتآكلة  التي تعرف اكتظاظا وازدحاما لايطاق،  ـ قطار ـ لايمكن له  أن يضبط إيقاع ارتفاع سرعته لربح زمن ثمين ومكان رائد في سلم التقدم ، فإن أسرع دون إصلاح وتغيير أوضاع عرباته العديدة لتكون من الاتساع والجودة والمتانة وتحقق لركابها أجواء إنسانية ومريحة ومطمئنة و ..إلخ ،، قد يتوقف ويتعطل بسبب كثرة أعطابه، وقد  تنقلب عرباته بخروجها عن السكة المحددة لمساره والتي قد تكون هي الأخرى في وضع غير آمن لاتضمن استقرار العربات ولا الركاب  حتى وإن تحرك  بسرعة السلحفاة  …
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  « ما هلَك امرؤ عرَف قدرَه».

الكاتب : بقلم : مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 17/08/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *