هل ينجح ايمانييل ماكرون في ايجاد مخرج للازمة السورية؟

باريس يوسف لهلالي

اعتبر الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون «القصف ضد النظام السوري هو مشروع لاستعماله أسلحة كيماوية ضد مدنيين». وأشار انه ابلغ نظيره الروسي فلادمير بوتين ان «روسيا متواطئة في استعمال أسلحة كيماوية». ساكن الاليزيه لم يعلن ذلك بالتلفزة مباشرة بعد الضربات كما قامت بذلك رئيسة وزراء بريطانيا تيرزا مايل او الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. بل تحدث عن ذلك في برنامج تيلفزيوني يوم الاحد الماضي، وقال «ان الضربة حققت أهدافها وقضت على قدرات النظام السوري في انتاج أسلحة كيماوية.وان هذه العملية تمت في اطار شرعي ومتعدد الأطراف»…»وان المنتظم الدولي هو الذي تدخل.» هذه هي المبررات التي قدمها الرئيس الفرنسي لرأي العام ببلده وذلك دون ان يقطع الاتصال بروسيا وتركيا وهي اطراف أساسية بالنزاع الذي تشهده سوريا.
ايمانييل ماكرون قال انه اقنع الرئيس الأمريكي بضرورة قصر الضربات على المواقع المرتبطة بالأسلحة الكيماوية كما قال انه نجح في الفصل بين الروس والأتراك في سوريا بين مؤيد ومعارض لهذه الضربات، ورغم التصريحات في استمرار هذا التحالف الا انه اصبح مهددا في حال لعب البلدان الغربية دورا حقيقيا بمنطقة النزاع.
وقال ايمانييل ماكرون في برنامج متلفز انه اقنع الرئيس الأمريكي بضرورة بقاء القوات الامريكية بسوريا.واكذ في هذا اللقاء ان بلاده تسعى الى إيجاد حل شامل مع جميع الأطراف لحل الازمة السورية.وهي المقاربة الصعبة التي يشتغل عليها الرئيس الشاب.
رغم انه لم ينل دعم المعارضة الفرنسية باستثناء الحزب الاشتراكي، زعيم «فرنسا الابية» جون ليك ميلونشون اعتبر الضربات الغربية ضد سوريا «طريقة غير مسؤولة لتصرف ولن تحل اية مشكلة» وبالنسبة لزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبين قالت ان «يجب الحصول عىلى دلائل على استعمال النظام السوري للأسلحة الكيماوية» اما حزب الجمهوريين اليميني فضل بعض أعضائه تجنب المواجهة مع روسيا.
لهذا الضغوطات لم تكن كثيرة من المعارضة، لكن من خلال المشاركة في هذه الضربات ما هو الدور الذي تسعى اليه باريس وهل مازال الحوار ممكنا مع الروس والأتراك بعد الضربة الثلاثية التي اعتبرتها روسيا غير قانونية؟ ام ان هذه الضربة سوف تقرب وجهات النظر خاصة ان المشاركة الفرنسية كان الغرض منها بعث رسائل الى موسكو، وهي انها في غياب حل سياسي فان اللجوء الى القوة من طرف البلدان الغربية اصبح امرا واردا، وان حقبة اوبما الذي تردد في التدخل في الحرب بسوريا قد انتهت.
موقف فرنسا تطورا كثيرا مند وصول الرئيس الشاب ايمانييل ماكرون الى قصر الاليزيه، فبعد ان كانت تطالب برحيل بشار الأسد ومحاكمته على الجرائم التي اقترفها ضد مواطنيه، لم تعد ترى مانعا لبقائه في السلطة، على خلاف ما كان يطالب به الرئيس السابق فرنسوا هولند . شرح الرئيس الفرنسي ان الغاية من هذه الضربة التلاثية الأخيرة ليوم 14 ابريل 2018 ليست الإطاحة بنظام دمشق بل لردعه عن استعمال الأسلحة الكيميائية. لهذا يطرح السؤال حول هذا التحول في موقف باريس؟ بالنسبة للمتتبعين الفرنسيين لهذا الملف، لا يمكن لباريس ان تلعب دورا في حل هذه الازمة اذا تشبت بتنحية بشار الأسد، فان ذلك يعني رفض أي نقاش مع حلفائه الروس والايرانيين كما حدث حتى الان. بل ان دعم موسكو وطهران مكن هذا النظام الذي كان على أبواب الانهيار من استرجاع المبادرة وإنهاك المعارضة واستغلال الحرب على الإرهاب بالمنطقة والتي تشارك فيها عدة دول.
فرنسا كانت من اول البلدان التي دعمت المعارضة السورية في سنة 2011 ودعمت مطالب المتظاهرين،والجميع يتذكر تصريح وزير الخارجية آنذاك الان جيبي في شهر ماي 2011 ان النظام السوري فقد شرعيته بقتله متظاهرين مسالمين.
وتم وصف الوضع بسوريا في 2012 في عهد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولند بال «حرب الاهلية» ودعى مجلس الامن الى التدخل بسرعة من اجل تجنب وقوع مجازر.وكان على أهبة التدخل لولا تراجع الرئيس الأمريكي باراك اوبما في اخر لحظة سنة 2013 .
مند تسلم ماكرون السلطة بباريس ركز في العلاقة بسوريا على محاربة الإرهاب ولم تعد تنحية الأسد أولوية وهو نفس الموقف الذي سار عليه دونالد ترامب الذي لم يهتم ولم يعطي أي تصريح واضح حول مصير الأسد.
الرئيس الفرنسي من خلال المشاركة في هذه الضربة التلاثية يريد ان يبقى في الدينامية الفرنسية من اجل إيجاد مخرج للازمة السورية، الحفاظ علة علاقة مع الفاعلين الاساسين في هذه الازمة. مباشرة بعد الضربة اتصل بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي قبل بها رغم تحالفه مع روسيا في هذه الازمة، كما ان الاليزيه حافظ على زيارته الى روسيا المبرمجة في شهر ماي المقبل من اجل اللقاء من فلاديمير بوتين، ووهي زيارة لم تلغ رغم مشاركة فرنسا في الضربات ضد حليف موسكو بدمشق.
في ظل غموض الموقف الأمريكي من الوضع بسوريا، وتكرار الرئيس الأمريكي لرغبته في سحب قواته من سوريا بشكل نهائي وفي اقرب وقت. هو قرار لا ينظر له بعين الرضا لدى حلفاء واشنطن بالمنطقة سواء العربية السعودية او البلدان الغربية مثل بريطانيا و فرنسا التي قال رئيسها انه اقنع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ببقاء هذه القوات لفترة أطول.
فهل تستطيع فرنسا ايمانييل ماكرون بسياستها الجديدة في معالجة الازمة السورية ان تجد حلا، سواء من خلال استعمال القوة وجر حلفائها الغربيين على تسديد ضربات أخرى لنظام السوري وتسليح معارضيه بشكل جيد، ام انه في ظل التردد الامريكي الذي بدأ مع براك اوبما منذ بداية الازمة السورية. وهو الوضع الذي ربما سوف يجبر باريس على ان تسلك طريقا اخر وهو طريق موسكو وانقرة وربما طهران لإيجاد مخرج لهذه الازمة التي تزداد تعقيدا خاصة ان فرنسا لم تعد تعارض بقاء سفاح دمشق على راس السلطة, ويبدو ان هذا الطريق هو الأقرب لحل هذه الازمة مع تزايد ابتعاد واشنطن عن منطقة الشرق الأوسط بعد ان حققت اكتفاءها الذاتي من البترول وتوجيه اهتمامها الاستراتيجي الى اسيا التي أصبحت مركز الاقتصاد العالمي من خلال مساهمتها القوية في الناتج الخام بالعالم، لتتحول منطقة الشرق الأوسط وبترولها الى منطقة ثانوية في سياسة واشنطن،بعد ان كانت هذه المنطقة مركز العالم ومصدره في الطاقة، لهذه الاعتبارات تترك الولايات المتحدة الامريكية حق التصرف وحل الازمات فيها لحلفائها المحليين.او الاقرب من المنطقة مثل باريس ولندن.

الكاتب : باريس يوسف لهلالي - بتاريخ : 20/04/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *