إضراب التعليم العالي: الواقع والدلالات

إضراب التعليم العالي الذي دعت إليه النقابة الوطنية وخاضه القطاع قبل يومين ،هو بمثابة إلحاح على ضرورة أن يؤخذ ورش الإصلاح بكل جدية ومسؤولية . إنه ليس إضراب مطالب مادية أو بحث عن امتيازات للأساتذة ومنحهم مكاسب ذاتية. إنه إضراب ينبه إلى أن أوضاعا استفحلت، ومنظومة عطبت، وبنية تآكلت…
في تشخيصه للقطاع، يرى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن التعليم العالي والبحث العلمي، يواجه تحديات متعددة في السنوات الأخيرة، نتيجة جملة من الإكراهات والمشاكل التي يعاني منها، بفعل سوء التدبير وافتقاد النفس الاستراتيجي في السياسات العمومية المتبعة، وأن إصلاحه يرتبط بمجالات منظومة شاملة: اجتماعية، اقتصادية وثقافية، متسمة بتحولاتها العميقة، ووتيرتها المتسارعة، مما يستلزم بلورة رؤية جديدة تتجاوز عوائق المنطق التقليدي، وتتوسل بآليات مغايرة ومبدعة لتطوير المنظومة التربوية. إنها آليات وظيفية تمكن التعليم العالي من تأهيل الحياة الجامعية، ودعم البحث العلمي، ورفع تحديات المنافسة التربوية، وتلبية الحاجات التنموية الملحة للمجتمع، من خلال توفير شروط الجودة وتحسين مستوى الأداء والمردودية.
لذلك، دعا الاتحاد وفي أكثر من مناسبة، إلى ضرورة معالجة إشكالات البرامج الجامعية، والتأطير البيداغوجي، والتدبير المالي، وتقوية التجهيزات والبنيات التحتية، من أجل موقعة جيدة لمؤسسات التعليم العالي في المحيط الاقتصادي والاجتماعي العام، بما يصون استقلاليتها المنتجة، ويعضد ديناميتها الخاصة.
إن التعليم العالي والبحث العلمي، يعدان أبرز مؤشر على خريطة المستقبل بكل مستوياته، فلا أفق للتنمية وأوضاع الجامعة متردية، ولا تطور اقتصادي والقطاع لا يتوفر على جسور تربطه بسوق الشغل، ولا بناء لقدرات الإنسان الفكرية والثقافية والعلمية إذا ما كانت البرامج لا تواكب التطورات… ويكفي أن نعرف بأن المغرب لم يستطع مسايرة التجارب الدولية في مجال التعليم العالي، إذ سجل في ما يخص التسجيل في التعليم العالي نسبة 13 %، وهي نسبة متواضعة مقارنة بالنسبة المتوسطة المحددة في 32,1 %، وأن دينامية المؤسسات الجامعية داخل فضاءات الشغل، تشهد انحصارا ملحوظا، حيث تبرز المعطيات الرقمية المتعلقة بمجال التعليم العالي وجود فارق كبير، يقدر بحوالي 42 % بين أعداد الخريجين الجامعيين وأعداد الأطر الحاصلة على مناصب للشغل، وأن هناك ضعفا في تمويل الدولة للبحث العلمي، فلم تصل النسبة المخصصة له إلى حدود اليوم 1,25 % من الناتج الداخلي الخام، وظلت محصورة في أحسن الحالات في 0,8 %، مما يحد من تأثير البحث العلمي الوطني في المنظومة البحثية الدولية، فهو لا يشكل سوى 0,8 % من الإنتاج العلمي العالمي.
وعليه، فإن الإضراب الذي شهدته الجامعة المغربية الأربعاء والخميس، هو تنبيه للمسؤولين إلى أن ورش الإصلاح، يجب أن يرفع من وتيرته، ويستمع من خلال حوار جدي ومسؤول إلى مطالب ومقاربات الأساتذة ونقابتهم، النقابة الوطنية للتعليم العالي، أخذا بعين الاعتبار تصورات القوى الوطنية ،فهذا الإصلاح يرتبط بمنظومة شاملة، هدفه الأساسي هو تطور وتحديث المغرب، وجعل هذا التعليم منتجا فكريا ،اقتصاديا ومجتمعيا لا مجرد تجييش للبطالة وانسداد الآفاق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *