إفريقيا الجديدة التي نريد

رسم الخطاب الملكي الذي ألقاه الأمير مولاي رشيد أول أمس بالقمة ال29 للاتحاد الإفريقي صورة مستقبل القارة السمراء الذي نريد. خطاب أكد التزام المغرب الصريح والمسؤول والثابت من أجل خدمة قضايا إفريقيا ومصالحها ،ومواجهة التحديات التي تواجهها وتحويلها إلى رصيد حقيقي ثلاثي الأبعاد : التقدم والاستقرار واستثمار طاقة شبابها .كل ذلك بهدف « إقلاع إفريقيا جديدة : إفريقيا قوية وجريئة، تدافع عن مصالحها ؛ وإفريقيا مؤثرة على الساحة الأممية».
إن أهم شروط لتحقيق هذا الهدف، وكما ورد في الخطاب الملكي :
أولا : التحرر من كل الأوهام، والانطلاق من نظرة ملموسة وواقعية، بإمكانها أن تفرز قارة إفريقية مبادرة ومتضامنة،وتحديد الأولويات الحقيقية للقارة. ف»إفريقيا لم تعد في حاجة إلى الشعارات الإيديولوجية، وإنما تحتاج إلى العمل الملموس والحازم، في ميادين السلم والأمن والتنمية البشرية».
ثانيا : بناء الاتحاد الافريقي كآلية في مستوى الرهانات، وإعادة هيكلة المؤسسات القارية « بما يضمن الاستجابة الكاملة والضرورية للتحديات التي يتعين رفعها « .وهذا البناء هو أحد أهم الأوراش التي يلتزم المغرب بالمشاركة فيه إلى جانب الدول الشقيقة.ولن يتأتى ذلك إلا بالحصول على تشخيص لهذا الاتحاد واقتراح توصيات واقعية وبرغماتية، للتوجه نحو» نجاعة أكبر تعتمد مقاربة معقلنة لهذا المنتظم الإفريقي، في انسجام مع انتظارات شعوبنا الإفريقية».
ثالثا : انتهاج سياسة إرادية موجهة نحو الشباب واستثمار طاقاته لتحقيق التنمية. « فمستقبل إفريقيا يبقى رهينا بشبابه، إذ أن ما يقارب 600 مليون إفريقي وإفريقية من الشباب، كما يرتقب وصول عدد الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 سنة، إلى 400 مليون شخص في أفق 2050».
إن من بين الإشكالات الأكثر حدة اليوم تتلخص كما ورد في خطاب جلالة الملك في أن أكثر من 11 مليون شاب إفريقي يلج سوق الشغل سنويا، في حين لا تتعدى فرص العمل المتاحة 3 ملايين، كما أن ما يفوق 70 بالمئة من الشباب الأفارقة يعيشون بأقل من دولارين في اليوم.وبالتالي فإن البطالة تضرب بقوة شباب القارة، إذ أن 60 بالمئة من المعطلين فيها هم من فئة الشباب …وتجاوز هذه الاشكاليات
يكمن من جهة في «معالجة إرادية للثلاثية المكونة من التربية والتعليم العالي والتكوين المهني تكون الجودة العالية فيها شرطا أساسيا».ومن جهة ثانية في «الاستثمارات الضرورية والمستدامة والحكيمة في ميادين التربية والتعليم والصحة والتكوين المهني والشغل».ودون شك فإن هذه المعالجة، أي تكوين واستثمار وتشغيل الشباب، ستجنب القارة كل مظاهر الهشاشة ومخاطر التطرف .
رابعا :العمل على الحد من ظاهرة الهجرة . وقد أعلن جلالة الملك بصفته مسؤولا تم اختياره في القمة ال28 لتدبير هذا الملف أن جلالته يعتزم « تقديم مساهمة تتمحور حول ضرورة تطوير تصور إفريقي موحد لرهانات الهجرة وتحدياتها، يكون الهدف الأول منه تغيير نظرتنا تجاه الهجرة، والتعاطي معها ليس كإكراه أو تهديد بل كمصدر قوة إيجابية». إن التعامل مع التحدي الذي تشكله الهجرة يستوجب كما ورد في الخطاب الملكي مقاربة خلاقة من شأنها تقييم أسبابها وتداعياتها وكذا التفكير في الحلول المتاحة، لاسيما عبر إقامة تناسق بين سياسات التنمية والهجرة .
هذه صورة إفريقيا الجديدة التي نريد ، الصورة التي تطمح شعوب القارة إلى تحقيقها وبلورتها، وأن لا تظل مجرد شعارات بل أن تصبح حقيقة وواقعا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *