الحركة الانتقالية ومتطلبات ترسيخ المفهوم الجديد للسلطة

أقدمت وزارة الداخلية على إجراء حركة انتقالية واسعة في صفوف رجال ونساء السلطة شملت على الخصوص، مناصب الكتاب االعامين والباشوات ورؤساء الدوائر ورؤساء أقسام الشؤون العامة والقيادات والملحقات الإدارية. وشملت الحركة إلى جانب إعفاءات من مسؤوليات ترقية العديد من عناصر هذه البنية التي تشكل العمود الفقري للمسؤوليات العمودية والأفقية بالوزارة.وبالأرقام، فقد صدرت عقوبات تأديبية في حق 110 من أفراد السلطة.وعزل 25 من بينهم والي واحد و5 عمال، وإعفاء21 من مهام السلطة، من بينهم عامل واحد، وقهقرة 29 إلى درجة أدنى، وتوجيه توبيخ لـ21 عنصرا، وتوجيه إنذار لـ 14.
وركزت مناسبات التنصيب التي شهدتها مختلف أقاليم المملكة كلمات أكدت على أن إعادة الانتشار تهدف بالأساس إلى تدشين مرحلة جديدة في أداء الإدارة الترابية، وضخ دماء جديدة في شرايينها، لتكون فاعلة في المجالات التنموية، مسؤولة في إطار احترام القانون معتمدة على سياسة القرب، منصتة لمطالب السكان، وبشكل عام مكرسة للمفهوم الجديد للسلطة الذي أعلن جلالة الملك بالدار البيضاء في أكتوبر 1999 عن خطوطه العريضة في الخطاب الذي وجهه جلالته إلى مسؤولي الإدارة الترابية وأطر الإدارة المركزية…
إن هناك مبادئ يجب إثارتها والتذكير بها بمناسبة هذه الحركة الانتقالية أبرزها:
أولا: يجب الإعمال الحازم لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وهو مبدأ دستوري إلى جانب مبادئ الحكامة الجيدة كما ورد في ديباجة دستور 2011. ومافتئ جلالة الملك أن ذكر به في العديد من خطبه السامية ورسائله الملكية. وهذا المبدأ يعتبر من مقومات المفهوم الجديد للسلطة.
ثانيا: ضرورة اعتماد المقاربة الحقوقية في التعامل مع المواطنين وقضاياهم، وأن لا يتم اللجوء إلى المقاربة الأمنية إلا اضطرارا وفيما ينص عليه القانون.
اليوم، يجب الاحترام المطلق لكرامة المواطنين، وتلبية مطالبهم التي تشكل حقوقا لهم في المجالات السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إن صم الآذان عن هذه الحقوق، خلق جروحا عدة بالعديد من مناطق المغرب، ترتبت عنها إشكالات وأوضاع كان المغرب في غنى عنها لو كان مسؤولون في الإدارة الترابية بمستوى مسؤولياتهم …
ثالثا: وتبعا لما سبق، يجب أن يأخذ أفراد السلطة الحكامة الأمنية كقاعدة للتعامل مع مختلف القضايا، لأن ذلك يعد أحد أهم مظاهر تدبير الدولة الحديثة، وأن يتم الانفتاح على جهات أخرى، وأساسا المجتمع المدني والإعلام.
هذه بعض العناصر التي نرى ضرورة أخذها بعين الاعتبار.وهنا لا بد من التذكير بمواقف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الساعية إلى تحقيق دولة الحق والقانون، التي تضمن للأفراد ممارسة حقوقهم وحرياتهم الأساسية، من خلال إعادة النظر بكيفية جذرية في الوسائل الردعية الضرورية، الواجب إقرارها للحد من جميع أشكال العنف التي تهدد استقرار البلاد، ومحاربة الفساد، وإرجاع الثقة للمواطنات والمواطنين، بتطبيق القانون في مواجهة الدولة نفسها.
إن المفهوم الجديد للسلطة، يعني بالدرجة الأولى أن ينخرط الجميع في بناء دولة الحق والقانون، التي تعد أحد اختيارات المملكة التي لا رجعة فيها . ونتمنى أن تساهم الحركة الانتقالية لوزارة الداخلية في ترسيخ وتعزيز هذا التوجه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *