نقط إيجابية ببيان القمة العربية

تسعة وعشرون بندا تضمنها البيان الختامي للقمة العربية التاسعة والعشرين، وهذا التطابق في فقرات القرارات المتخذة ورقم المحطة العربية لا يعكس بالضرورة تطابق الدول الأعضاء بالجامعة العربية تجاه القضايا الإقليمية والدولية. لكنه، على الأقل، يعبر عن الحد الدبلوماسي الأدنى الذي يجمع دول هذا الفضاء الجغرافي الممتد من المحيط إلى الخليج والذي يعيش اليوم مثخنا بجروح في مشرقه ومغربه.
هناك عدد من التشخيصات والمواقف الإيجابية تضمنها بيان القمة التي احتضنتها السعودية، أبرزها ما ورد بديباجته التي أكدت على «أهمية تعزيز العمل العربي المشترك المبني على منهجية واضحة وأسس متينة تحمي أمتنا من الأخطار المحدقة بها وتصون الأمن والاستقرار وتؤمن مستقبلا مشرقا واعدا يحمل الأمل والرخاء للأجيال القادمة وتسهم في إعادة الأمل لشعوبنا العربية التي عانت من ويلات الربيع العربي وما تبعه من أحداث وتحولات كان لها الأثر البالغ في إنهاك جسد الأمة الضعيف ونأت بها عن التطلع لمستقبل مشرق»…
ودون شك، فإن واقع العالم العربي اليوم كان حاضرا بقوة بهذه القمة التي انعقدت قبل شهر من حلول موعد النكبة التي أضاعت فلسطين وأنشأت كيان إسرائيل. وهي قمة عقدت عشية نقل أمريكا لسفارتها لدى إسرائيل إلى القدس ضدا على الحق الفلسطيني والقانون الدولي… وعشية استعداد واشنطن لإعلان ما أصبح يعرف ب»صفقة القرن» التي تحيل فلسطين إلى مجرد قطع أرضية متناثرة بين المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ومحاصرة بقوات الاحتلال الإسرائيلي حول قطاع غزة…
ودون شك، فإن مطلب الشعوب العربية كان حاضرا أيضا بقاعة ومداولات القمة: كيفية معالجة هذا التمزق العربي الذي جعل من كل الحدود المشتركة سياجات وخنادق تمنع تنقل الأفراد والبضائع؟… ويكفي أن نطلع على خرائط الاقتتال والدمار التي يتميز بها العالم العربي اليوم أكثر من أي منطقة بالعالم، فسوريا أصبحت مدنها حطاما وشوارعها برك دماء وشعبها لاجئا وقتلاها يقاربون نصف المليون، واليمن يعيش على إيقاع اقتتال شرس بلغت صواريخه إلى العاصمة السعودية أكثر من مرة، وليبيا حولتها الميليشيات المتطاحنة إلى «بقايا دولة» … دون أن نتحدث عن العراق المنهك بسبب ربع قرن من التدمير، وانتشار الجماعات المسلحة المرتبطة بالإرهاب في تونس والجزائر ومصر…
اليوم في كل بؤرة صراع بالعالم العربي يوجد أكثر من طرف عربي تخوض الحرب، بالوكالة عنه، تنظيمات مسلحة ضد أطراف أخرى عربية وغير عربية.
قمة انعقدت غداة عدوان ثلاثي ضد سوريا ليزيد معاناة شعبها الذي يحكمه رئيسها بالقمع وبراميل البارود المتفجرة والتقتيل الجماعي وتعيث فيه التنظيمات الأصولية إرهابا وإجراما وإغراقا في الجهل والتجهيل. .
لكن ومع ذلك نسجل تأكيد القمة على «مركزية قضية فلسطين بالنسبة للأمة العربية جمعاء، وعلى الهوية العربية للقدس الشرقية المحتلة، عاصمة دولة فلسطين». وتأكيدها على «بطلان وعدم شرعية القرار الأمريكي بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مع الرفض القاطع الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، حيث ستبقى القدس عاصمة فلسطين العربية، ونحذر من اتخاذ أي إجراءات من شأنها تغيير الصفة القانونية والسياسية الراهنة للقدس حيث سيؤدي ذلك إلى تداعيات مؤثرة على الشرق الأوسط بأكمله».
ومن إيجابيات البيان التشديد على «ضرورة إيجاد حل سياسي ينهي الأزمة السورية، بما يحقق طموحات الشعب السوري الذي يئن تحت وطأة العدوان، وبما يحفظ وحدة سوريا، ويحمي سيادتها واستقلالها، وينهي وجود جميع الجماعات الإرهابية فيها…».
إن حالة الانقسام والتشرذم التي يعيشها العالم العربي اليوم لا يمكنها أن تنتج مواقف متطابقة تجاه جميع القضايا. لكن ،على الأقل، نعتبر أن التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية وعاصمتها القدس ومناهضة المس بالوحدة الترابية للدول الأعضاء بالجامعة نقط مضيئة نتمنى أن لا تطفئ نورها المصالح الضيقة والحسابات الإقليمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *