أشياء لم تقع، من قبل حراك الحسيمة! 2/2

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

الشباب الملكي ودفاع الأمن والداخلية عن نفسيهما…

تبرم العديد من الوزراء، من عبارة استنكارية قوية في حق الحكومة: هل أنتم حكومة أم عصابة؟..وذهب الأمر، في مجريات الأحداث إلى اعتبار أن هذا التساؤل- الاتهام، من بين أمور قليلة أخرى، منها حادثة المسجد التي صعبت الأمر على ناصر الزفزافي..
وبالنسبة لمن يذكر تسعينيات القرن الماضي، قد تحيله هذه العبارة، على مقولة »»منغاطيس» التي حوكم بسببها محمد نوبير الأموي، في 1992، والتي كانت الحكومة وقتها، في عهد وزيرها القوي والراحل إدريس البصري قد قررت أن تحاكمه.
كانت العبارةالتي وردت في حوار مع «يومية إلباييس »الإسبانية، تعني أنكم لصوص..
ومن الصدف الغريبة أن الذي كان يدافع عن نزاهة الحكومة أمام الزعيم النقابي والقيادي في الاتحاد الاشتراكي وقتها نوبير الأموي هو زيان المحامي..
الرجل نفسه الذي يدافع عن حق الحراكيين في أن يسموا الحكومة بالعصابة..
بعض المرتعشين يعتقدون بأن البكارة يمكن أن ترمم بالصدفة أو الارتجال ..
غير أن الذين ذهبوا أبعد في الذاكرة سيذكرون أن العبارة إياها أطلقها محند بن عبد الكريم الخطابي، الزعيم التاريخي ذي البعد الكوني، في حق الحكومة المغربية من منفاه في القاهرة في 1957!
كانت عبارة قوية
غاضبة
من زعيم كان يحمل أجدير في قلبه وهو في عاصمة التحرر العربي العالم ثالثي..القاهرة.
يعيش بعيدا عن أرض بطولاته
وهواء أسطورته.
قيلت في زمن اختناق رهيب، سبق عاصفة 1958 بغير قليل من الزمن..
عودة العبارة، لا شك أنها حملت معها شواظ لهبها التاريخي
لهذا تحرق وجوه من قيلت في حقهم
لهذا تبرم وزراء منها وربما تطيروا من قولها في الاحتقان الجديد.
لا نسأل عن تجديد »العقدة« مع الريف: والمقصود بالعقدة هنا، »الكومبليكس«، بمفهومه المرضي، والذي يجعل العبارة تحيا
والشعور بالحكرة يحيا،
عوض تجديد العقدة« -الكونطرا مع الريف في شكلها التطهيري- الكاتارسيس- عبر المصالحة التي تم تدشينها في وقتها..
بل نلاحظ أن العبارة، عادت على هامش المناظرة التي دعت إليها جهة الحسيمة طنجة تطوان ،إلى الواجهة، عندما ألقاها مشارك شاب، في وجه ابن جباله الريفية، الجميل السي محمد أوجار، الذي يشترك معه في الذاكرة نفسها،
في اللغة نفسها
وفي الحرقة نفسها:
كان الوزير يواجه سؤالا اتهاما، لم يستسغه الكثيرون من الذين يقفون بلا شرط ولا قيد مع حراك الريف ومع قوته الاحتجاجية..قبل الرسميين المنزعجين:
العبارة سبق أن قالها محند بن عبد الكريم الخطابي فكان على السي محمد أوجار الجواب عنها..
في سياق مختلف وبشرطية مختلفة!
ابتسم ، كما اعتاده الذين يعرفون طبيعته
ولم يتل ذلك أي تشنج من طرفه
ولا أي تشنج من طرف الحكومة، مع أناس كان السؤال عندهم معلقا على جرح آخر يحمله الشباب المتمرد الآن:التشكيك في الوطنية!
بمعادلة كالتالي: نسألكم باستنكار إن كنتم عصابة لأنكم سألتمونا بإنكار أن نكون مغاربة !!
والكلام المر يكون دوما حرا
والكلام الحر يكون دوما مرا
ومرُّ الكلام، حرُّه!
سيحتفظ للوزير أوجار أنه تسامى كثيرا حول شخصه ووضعيته، ولم ينصت طويلا لرد الفعل المنتظر:متابعة من يتهمه وحكومته بالعصابة!
هذا أمر لم يحدث..
بالرغم من أن من حق وزارة العدل أن تلجأ إلى .. العدل !
** الذين يحبون الملك، حبا حقيقيا، لم يفكروا في الخروج إلى الشارع لإعلان حب ملتبس:
ولم يحبوا تلك الفلتات من شباب سمى نفسه ملكيا، لكي يعبروا، من بعد ذلك، إلى مهاجمة المحتجين!
هناك لبس ما يصعب التعايش معه:هل محبة الملك تفرض على من يحملها، الخروج إلى الشارع شاهرا سيفا أو قنبلة أو سكينا أو مسدسا أو لسانا طويلا مثل ..زانة؟
أبدا:
دوما يحب المغاربة ملكهم بما يليق من أناقة العاطفة، وسلاسة التعبير وحرارة التضحية.
وإذا كنا نؤمن راسخين بأن آلاف ومئات الآلاف من الذين خرجوا في المسيرات هنا وهناك قادرون على حب نضالي وكفاحي للملكية ، لأنهم سليلو ملكيين وطنيين كبار، فإن السؤال هو: من الذي تعثرت طاقته الإبداعية فدفع بجمهور الشباب الملكي إلى الطرقات لمواجهة المحتجين ليتم إقحام جلالة الملك في معادلة هو أكبر منها بكثير..كثيرا كثيرا كثيرا؟.
من يا ترى يقنع هذا الجمهور بأن التهديدات العنفية
والمستفزة والهجومات النابية على الناس، وأحيانا على أهل الريف وعلى النشطاء، يمكنها أن تصنع قصيدة حب وتقدير لملك البلاد؟
أكاد أجزم أن قسطا غفيرا من الذين يحتجون أو ساندوا الاحتجاج هم الذين ورثوا احترام وحب الملكية والدفاع عنها من وطنيين كبار وليس من بروفايلات غير محددة الملامح: وطنيون من طينة المهدي والزرقطوني وعلال بن عبد الله والسعيد بونعيلات و علال الفاسي وبوعبيد والقادة الكبار الأحياء كاليوسفي وايت يدر بنسعيد وغيرهم كثير..
نكاد نردد مع محمود درويش:أنقذونا من هذا الحب القاسي !
ونتذكر في الوقت نفسه أن هؤلاء الذين بالغوا في العاطفة الملتبسة، هم الذين أخرجوا المؤسسة العسكرية من صمتها المعتاد، لكي تتبرأ من فيديوهات من يرتدي ملابس شبه عسكرية ويعلن ميلاد شبيحة الفايسبوك.
وهم الذين أخرجوا الداخلية عن صمتها لكي تتبرأ من مسيرات مبرمجة في عيد الحب الوطني الافتراضي..
هم، بالذات وليس الذين يفترض بهم أنهم .. الأعداء!
وما من شك، أنهم وهم يتهجمون، ماديا أو لغويا، على محتجين، يتجرأون في »تعزير« جديد، على الناس، وقديما قيل إن» من تجرأ لك تجرأ عليك«، وقتها قد يتجرأون على القوات التي تحفظ النظام لأنها «لا ترقى إلى حب البلاد وملكها كما يجب!»
الملك ،
جلالة الملك
رئيس الدولة
وأمير المؤمنين أيها السادة
الملك لم يتم نفيه كما وقع لأب الأمة جده محمد الخامس طيب الله ثراه، لكي تخرجوا مهللين، بصدور عارية كما فعلت الأمة؟
وليس مطلوبا أن نضع حب الملك مقابل الحق في الاحتجاج، ونطلب المقارنة
وإذا قلنا إن المغاربة تعلموا من حب الملك
الحق في الحرية..
قد نغضبكم بهكذا قول
ولكننا سنقول الحق
أيها الإخوة المغاربة الذين نحبكم كثيرا!!

2- لم يسبق أن امتثلت الهيآت الأمنية إلى مساطر الدفاع المؤسساتي عن نفسها، كما يحدث اليوم..
بعد الحضور أمام المؤسسة البرلمانية، لتقديم حصيلة الوقائع الماسة بالمؤسسة النظامية في الأمن
جاءت البيانات التي تتابع الوضع ، بدقة
نقطة نقطة..
والبلاغات التي توضح، بكافة المعطيات اللازمة، ما يستجد من أخبار أو اتهامات أو تحاليل، وصلت إلى حد متابعة الصور
والفيديوهات
والمنشورات.لماذا..؟
في تقدير العبد الفقير لرحمة ربه، يكمن السبب في أنها هي بالذات دخلت مرحلة ما بعد المصالحة بينها وبين المواطنين بسرعة لافتة للغاية..
إذ لا تتعالى عن بنية البلاد المؤسساتية وتوجهها الحالي..وتعتبر بأن التعاقد الرئيسي في الزمن الجديد هو مصالحة المغاربة وأمن بلادهم لحماية بلادهم!
لم ينس الأمن المفهوم الجديد للسلطة، لهذا يجد أن عليه أن يقدم الحجة على ممارسة مهامه طبقا للتوجه الجديد، ويضع نفسه في ميزان المساءلة، ويمارس حقه في الدفاع عن احترامه
وعن حقه في التقدير المؤسساتي، وكي لا يكون الزمن القديم هو المتحكم في التقدير الحالي والراهن لأدوارها ومهامها!
تراكم أدبيات الترافع
وأدبيات الشرح
ومكاتيب التفسير لكل خطوة، بالرغم من امتلاك
شرعية العنف» بلغة ماكس فيبر والقانونيين في العالم كله، دليل تفرد وتميز غير مسبوق.
كما هو دليل تملك التوجه الذي تسير فيه البلاد، في حرب يراد لها أن تكون حقوقية، لإضعاف البلاد، والبلاد تتقوى بقوة حقوقييها وثقافة حقوقها..
لهذا في تقديري لن تتأثر التطورات بالتقارير» التي تتحدث عن التعذيب والتنكيل وغير ذلك لسببين:أولا لأن رئيس الدولة وملكها قد طالب بتسليط الضوء على ذلك بما يكفي من جرأة
– ثانيا لوجود المؤسسات المعنية في قلب المنطق الجديد لمراكمة تجارب المصالحة واحترام المسطري والحقوقي..
والله أعلم

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 24/06/2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *