أي قراءة لاستقالة كوهلر ، و أي منعطف يتهيأ في القضية…؟

عبد الحميد جماهري

 

قد تكون المشكلة الصحية، كما في بيان مبعوث الأمين العام الأممي هورست كوهلر، في مشكلة كبرى كالقضية الوطنية بلا أهمية تذكر، و بلا تأثير، كما قد يكون تفسيرها، نوعا من حفظ الأسباب الحقيقية عن العموم،
لكنها قد تكون أيضا نتيجة لتعقد المشكلة نفسها، والمجهود المضني الذي صار مطلوبا من المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، بالإيقاع الذي دخلت فيه منذ محادثات جنيف ، وبعد إعادة ترتيب التوقيت الزمني
للمينورسو (نص عام عوض عام)…
غير أن الشهادة الطبية الخاصة بالسيد كوهلر، سيكون لها انعكاس صحي على المنطقة كلها، بل ستتداعى لها المنطقة بالسهر والحمى..
لا يمكننا أن نستبعد، للوهلة الأولى، ما حدث في الآونة الاخيرة، من تفاوت في تقدير الموقف، بين ما أوْحى به المبعوث الشخصي، في تقرير الامين العام من مواقف، وبين ما ورد في قرار مجلس الامن 2468.
فقد كان التقرير، بناء على مجريات قدمها كوهلر سلبيا في العديد من الفقرات، ومنها ما سماه حرمان المبعوث الشخصي من اللقاء بالانفصاليين في الداخل والحد من حركته، والحديث عن تدمير جزء من الجدار الأمني، والتعثر في اجراءات بناء الثقة، وغيره، في حين جاء القرار معاكسا لهذه التوجهات او التوجسات الخاصة بالمبعوث، ولم يشر اليها لا من قريب ولا من بعيد بل قد اعتبرت الجبهة وانصارها ان القرار معاكسا لهم، ولم تجد فيه ولو فقرة بمكنها أن تسوقها لاصحابها وبقايا الواهمين، عكس التقرير..
وهذا وضع صعب بالنسبة للمبعوث الالماني كوهلر ولا شك…
وإلى حد الساعة، لم توضح الأمم المتحدة طبيعة المشكلات الصحية التي دفعت بالرئيس الألماني الأسبق لترك منصبه، غير أنها ليست الاستقالة الأولى التي يقْدم عليها مبعوث أممي إلى الصحراء، ضمن مهام المينورسو، فقد سبقه كل المبعوثين إلى نفس الموقف.
بل هي رابع استقالة يقوم بهامبعوث شخصي للأمين العام للأمم المتحدة إذ سبقه كل من كريستوفر روس و بيتر فان فالسوم وجيمس بيكر بالاستقالة، طوال هذه المدة التي دخلت فيها القضية إلى الأمم المتحدة..

لقد صارت الاستقالة ثابتا من توابث النقاش الدولي حول القضية، كما أن في قراءتها ثابت مهم، وهو العجز عن الوصول إلى حل، أمام تعنت الأطراف التي تتشبث بالحلول التي عفى عليها الزمن، كما أن هذه الاستقالات، ومواقف أطراف المناوئة للمغرب لا تتحرك نحو الحل، في حين قدم المغرب العديد من الحلول، من القول بالاستفتاء، إلى الحكم الذاتي وتسهيل مهام المينورسو، وبل تقديم جزء من أرضه للأمم المتحدة لإقامة السلام سرعان ما حولتها الجهات المعادية إلى مناطق لإقامة الدولة!!
وهيأت لها إعدادا ترابيا لذلك..
بالعودة إلى استقالات سابقة، قد يتحدد نوع ما تقدير الاستقالة الحالية وفهم بعض جوانبها بالرغم من فجائيتها..
كان جيمس بيكر قد قضى قرابة سبع سنوات مبعوثا شخصيا للامين العام، منذ عين سنة1997 إلى حين استقالته في أبريل 2004..
وقد جاءت استقالته بعد أن كان قد تقدم بثالث* مقترحات حل أو ما اعتبره حلا..
بيكر 1/2/3، الذي كان قد دعا فيه إلى مرحلة انتقالية من خمس سنوات يتم خلالها تنظيم الاستفتاء وهو ما قد رفضه المغرب
كان الأمر يتعلق وقتها، في التحليل المغربي بتهييء الشروط لميلاد الجمهورية المزعومة، بل بعد أن عجز عنها أصحابها، يعمل المغرب بمساعدة الأمم المتحدة على ذلك..
* بيكر بدوره كان قد حقق تطورات ، حسب بلاغ الإعلان عن استقالته، لكنها لم تكن كافية لكي تمنعه من الرحيل والاستقالة..

‮* ‬المبعوث الذي‮ ‬خلفه،‮ ‬بيتر فان فالسوم،‮ ‬والذي‮ ‬تولى المهمة ما بين‮ ‬2005‮ ‬و2008،‮ ‬انتهى به المطاف إلى الاستقالة بدوره،‮ ‬وكان ذلك بعد أن وقع على منعطف‮ ‬غير مسبوق من لدن‮ ‬مسؤول أممي،‮ ‬قال فيه بالحرف باستحالة تنظيم الاستفتاء وأيضا باستحالة ميلاد دولة سادسة في‮ ‬المغرب الكبير‮.‬
فقبيل الاستقالة،‮ ‬كان منعطف الحكم الذاتي‬،‮ ‬وبالتالي‮ ‬دخول القضية مسارا جديدا و‮…‬
اللافت هو أنه لم‮ ‬يقتضب في‮ ‬تفسير رحيله ولا في‮ ‬المكان الذي‮ ‬أعلنه،‮ ‬فهو قال ذلك داخل جلسة‮ ‬21‮ ‬أبريل من السنة نفسها وأمام أعضاء مجلس الأمن‮.. ‬
وعليه،‮ ‬بنى خلاصة مهمته،‮ ‬وتبرير استقالته كالتالي‮: ‬استقلال الصحراء ليس مقترحا واقعيا،‮ ‬وأن الوضع القائم،‮ ‬كما‮ ‬يراه‮ ‬هو في‮ ‬مخيمات تندوف‮ ‬يعتبر صحيا‮ ‬‭ ‬للبولساريو وقادتها الذين لا‮ ‬يعيشون هناك في‮ ‬المخيمات‮..‬
ودعا إلى النقاش الفعلي‮ ‬حول نقط مقترح المغرب للحكم الذاتي‮…‬
ورأى ان الحل‮: ‬لا بد من أن‮ ‬يحسم مجلس الأمن بين الحلول الواقعية وغير الواقعية،‮ ‬وما هي‮ ‬المقترحات التي‮ ‬تسير نحو الحل والتي‮ ‬تتشبث بالمشكلة‮..‬ لا سيما وأن هناك إقرارا دوليا بأنه لا‮ ‬يوجد أي‮ ‬ضغط‮ ‬يمكن أن‮ ‬يخرج المغرب من ترابه ومن صحرائه‮..‬
‮* ‬كريستوفر روس،‮ ‬الذي‮ ‬تولى الملف من‮ ‬يناير‮ ‬2009‮ ‬إلى مارس‮‬2017،‮ ‬دخل‭ ‬على هذا المعطى المتعلق بالحكم الذاتي‮.‬ غير أنه كان‮ ‬قد‮ ‬غادر قبل الأوان‮‬،‮ ‬مع تعيين انطونيو‮ ‬غوتيريس الذي‮ ‬جاء بكوهلر‮.‬
وكان معروفا‭ ‬لدى‭ ‬كرستوفر روس‮ ‬‭ ‬أن المغرب لا‮ ‬يحبذ الكثير من مبادراته،‮ ‬ومحاولاته القفز على سيادة المغرب على الصحراء،‮ ‬والتعامل كما لو انها ترابا.‮ ‬
‮‬هذه الاستقالة أيضا رتبها صاحبها بشكل‮ ‬يجعل أدبيات الأمم المتحدة تعترف بأنها جاءت لغياب منعطف كما‮ ‬يريده روس‮..‬
وما ميز تواطؤ روس هو تواطؤ بان‭ ‬كي‭ ‬مون الذي‮ ‬اعتبر المغرب قوة احتلال وزار تندوف ومناطق بير لحلو باعتبارها أرضا محررة لإقامة دولة وهمية‮..‬
وقد كان خروجه من الباب الصغير إعلانا بأن المنعطف هنا هو اثبات ان‮ ‬المغرب‮ ‬يستطيع أن‮ ‬يرفض الخطة الأممية كيفما كانت ولو بدعم بانكيمون‮..‬
وتميزت مرحلته،‮ ‬ونقطة تسريع رحيله بمحاولة توسيع مهام المينورسو،‮ ‬في‮‬2012،‮ ‬لتشمل‮ ‬حقوق الإنسان‮‬،‮ ‬وهو الموقف الذي‮ ‬قابلته بلادنا بغضب حقيقي‮ ‬وبرسالة قوية من ملك البلاد إلى الامين العام،‮ ‬وأيضا إلى واشنطن‭..‬
فكريستوفر روس كان قد طلب إجراء لقاءاته في‮ ‬العيون المغربية،‮ ‬في‮ ‬استفزاز واضح للمغرب‮.‬
ولعل روس كان قد دشن محادثات مانهاست وأراد أن‮ ‬يعطيها بعدا‮ ‬يساير توجهاته التي‮ ‬رفضتها الرباط،‮ ‬وأكثر من ذلك‮‬،‮ ‬كان وراء العبارة المغربية الشهيرة بالفيتو‭ ‬‮:‬لا نقبل بتغيير معايير الحل‭‬‮ ‬في‮ ‬الصحراء‮. ‬
‮ ‬والمنعطف معه حصل في‮ ‬الجنسية الخاصة بمبعوث الامين العام،‮ أي‮ ‬الإجماع في‮ ‬الشكل،‮ ‬بتفادي‮ ‬تعيين مبعوث شخصي‮ ‬أمريكي،‮ ‬وتحبيذ أن‮ ‬يكون من خارج مجموعة أصدقاء الصحراء،‮ ‬كما طالب المغرب بذلك،‮ ‬
* ‬كوهلر‮: ‬مع استقالة كوهلر‮ ‬يبقى تغيير معايير الحل واردا،‮ ‬لا سيما من بعد تقرير الأمين العام الأخير ومحاولات جر الاتحاد الافريقي‮ ‬إلى الحل‮‬،‮ ‬وتعويم الثوابت‮ ‬الأممية حول الحل‮..‬
غير أن الذي‮ ‬يميز الفترة التي‮ ‬تقدم فيها باستقالته هو:‮ ‬
أولا: الموقف من مهام المينورسو نفسها،‮ ‬كما شرحته امريكا واعتبار أنها عاجزة عن الحل‮.‬
ثانيا‮: ‬الظرف الإقليمي‮ ‬الذي‮ ‬يجعل أن‮ ‬أطرافا رئيسية في‮ ‬الحل،‮ ‬دخلت بدورها في‮ ‬المشكلة‮.‬
بل إن تعبيرات تقرير المصير‮‬،‮ ‬صارت مطروحة على من‮ ‬يدافع عنها في‮ ‬الصحراء.
ثالثا‮: ‬تغير التشكلات النظامية للدول في‮ ‬المنطقة،‮ ‬مما قد‮ ‬يجعل أن فترات الانتظار تطول‮ ‬أطول مما هو منصوص عليه في‮ ‬قرارات تمديد صلاحيات المينورسو،‮ ‬فالجزائر وموريطانيا،‮ ‬معنيتان بالحل وبالظروف الحالية،‮ ‬كيف‮ ‬يمكنهما المساهمة في‮ ‬الحل،‮ ‬اذا كان المشارك هو نفسه في‮ ‬مشكلة ولا‮ ‬يعرف بايدي‮ ‬من‮ ‬سيضع الملف،‮ ‬من بين الوزراء الذين‮ ‬يتغيرون حسب ريح الشوارع الغاضبة‮…‬
‮* ‬المغرب والأمين العام عبرا عن نفس الموقف،‮ ‬هو الأسف من الاستقالة،‮ ‬علما بأن الأمين العام عبر عن تفهمه لها،‮ ‬بدون كثير توضيحات،‮ ‬والمغرب اكتفى بإعلان تقدير للفضائل الشخصية للمبعوث الأممي‮.. ‬منذ تعيينه في‮ ‬غشت‮‬2017،‮ ‬مشيدا بالثبات والاستعداد والمهنية التي‮ ‬تحلى بها كوهلر في‮ ‬تأديته لمهامه‮.‬
‬وهذه المهمة كانت تنتظرها دورة ثالثة،‮ ‬في‮‬2019‮. ‬ وقد صارت الآن في‮ ‬عداد المؤجلات‮.‬
وهوما‮ ‬يطرح أسئلة كثيرة حول الصيغة التي‮ ‬ستستعملها الأمم المتحدة ومجلس الأمن في‮ ‬القادم من الأيام‮:‬
‮*‬ أولا كيف سيتم اختيار خلفه،‮ ‬وهل سيتم التقيد بتعيينه من‭ ‬خارج الإدارة الأمريكية كما مع بيكر وروس؟
‮* ‬ثانيا‮: ‬بأي‮ ‬آلية سيعمل مجلس الأمن من أجل مواصلة الموائد المستديرة حول القضية،‮ ‬في‮ ‬الأيام القادمة،‮ ‬وكيف سيتم التقدم على جبهة الحل؟
‮* ‬ثالثا‮: ‬ما الذي‮ ‬سنحتفظ به من كوهلر هل هو تصريحه‮ ‬في‮ ‬دجنبر‮ ‬2018‮: ‬ان حلا‮ ‬سلميا للمشكلة ممكن؟ أم تصريحه في‮ ‬مارس‮‬2019،‮ ‬عقب المحادثات بأن مواقف الاطراف توجد على طرفي‮ ‬نقيض‮!‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 24/05/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *