البارحة دفنا عبد الكريم غلاب.. دفنا رجلا كثيرا!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لماذا يشعر مناضل مثلي، في الحركة الاتحادية بغير قليل من اليتم؛ كلما رحل أحد الآباء المؤسسين لحزب الاستقلال؟

هكذا شعرت، قبل أن أركب صيغة السؤال، وأنا أستسلم للحزن بفقدان عبد الكريم غلاب.
ثم وأنا أفكر في شخص ساعدنا، كجيل، على قراءة خيالنا
وتقنين المخيلة…
وتركيب الرمزي مع الوطني في محاولة سرد وطنية..
بالرغم من أن جيلا بكامله، نحن منه، أسس هويته على الاختلاف مع قادة الحزب الوطني الاستقلال.، فإن هذا الشعور بالحزن الشخصي، رافقنا ونحن نودع عبد الكريم غلاب، كما قبله، منذ شهور قليلة السي امحمد بوستة..وقبلهما بوبكر القادري….
ليسوا لاشعورا وطنيا فقط..
إنهم .. العاطفة
قبل تحديد البصمة الرمزية ثقافيا
وتحديد الفردانية الايديولوجية من بعد..
لكن عبد الكريم غلاب، هو في الوقت ذاته الرجل الكثير..
جاء الروائي ليودع «المعلم علي..
وجاء الصحافي ليودع «مع الشعب»
وجاء الحزبي ليودع المنظر للتعادلية
وجاء الوطني ليودع المجاهد
وجاء النقابي ليودع رئيس النقابة..
وجاء الديبلوماسي ليودع رجل المهام الوطنية
وجاء المقاصدي ليلقي نظرته الاخيرة على من فهم علال الفاسي رحمه لله..
كانوا كثيرا في توديعه
وكان كثيرا في رحيله..

غلاب الذي تأسست، قريبا منه بعيدا منه، هوية ثقاتنا المضادة، هو ضمير المحادثة، لما تقرأه وتنتقد أو تتمتع أو تستسلم ببساطة للسرد المغربي، وهو يصنع العالم الموازي الضروري للنضال: عالم افتراضي، روائي أو أدبي، مواده كلها من آجور الواقعية
والوطنية
والمواقف..
والمناقشة..
قد لا نحتاج إلى حزن واع، مثقف، ديداكتيكي،
ونسلم للقامة الكبيرة التي صنعها غلاب وهو ينتقل من الرواية الى الجريدة، ويمر من السياسة الى الوزارة، كما يصنع أندلسي قديم بتراثه..ونسلم أيضا بنبوغه في الحياة وهو يواصل الكتابة بالرغم من كل معيقاتها
ويفكر في الدستور، كما يفكر رجل حر في الطريقة التي يتنفس بها كي يعيش معافى

لغلاب علينا فضل رهيب: علمنا أن الرواية، جزء من الممكن المغربي
وأن التاريخ لا يلغي بالضرورة الحاضر
وأن النشوة الوطنية لا تعني الاستسلام للإرث الاستعماري في الإدارة..
كما علينا فضل أن نذكرأنه واحد من القلة التي غامرت بتقنين المخيال المغربي، وكلما شاهدنا الكتابات الكبرى، وهي تتحول الى مسلسلات ناجحة، فكرنا: ألا يمكن أن يفكر واحد منا في تحويل «المعلم علي» الى مسلسل طويل يصنع سيرتنا الجماعية للبصر والبصيرة معا؟..

هو أيضا محاورنا السري، الاسم الآخر للمونولوغ لما يكتب في السياسة ونختلف في الموقف
أو لما يكتب في التاريخ ولا نتفق على التأويل..
وعندما يبدع يترك لنا حرية تجريب الديناميت الذي زنرنا به» جيرار جونيت أو تودوروف، ولا يأبه إلا بما يحفل به خياله الوطني..

مرات جادلناه، من موقع الشعب ضده ..حين الشعب!
ومعه ضده … حين الوطن
ومع الوطن ضده ….حين الوطنية…
وكنا نعتبر أن الخلاف معه دليل ذكاء طبقي حاد، وربما دليل ذكاء فقط..
بلا طبقات
ولا مادية جدلية تعيد التاريخ إلى صواب….بعيدا عن الخيال الوطني..
لم نصادفه في خيالنا وحده، ونحن نقرأ الروايات الحاصلة على جوائز المغرب، ولم نصادفه في الواقع، بل ذهبنا إليه عمدا، لدراية مسبقا بأنه المحاور الفخم في الحاضر المغربي..
وأعود لأسأل من جديد: لماذا يشعر مناضل من حركة الاتحاد بأن موقدا فقد حرارته في جهة ما من القلب عندما نفقد أبا مؤسسا من قادة الاستقلال؟
هل هذا ما يسمى عادة المشترك الوطني والمرجعية الحركية للتحرير الشعبي؟
ربما ربما
مثلما عندما…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 17/08/2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *