الحراك اللغوي في المغرب العربية، الأمازيغية، الفرنسية… والفردوس!

عبد الحميد جماهري

توجد اللغة، في تاريخ البلاد الراهن، في بؤرة المجابهة، إذا ما استسلمنا إلى التوصيف السجالي،
وعلى مائدة التفاوض التاريخي إذا ما سلمنا بوجود حراك لغوي حول اللغة في القضاء وفي الإدارة، وفي المدرسة..
في الحياة اليومية، لا جدال ولا رفث في اللغة.
الكل يسبح في نهره اللغوي الذي يرتاح إليه.
تبدأ المعضلة عندما نتحدث عن الإدارة، أو تعميم الخدمات الإدارية ودمقرطتها…
وفي القضاء، عندما نسعى إلى العدالة وحقوق المتقاضين، متهمين أوورثة أومطلوبين في الدفاع والاتهام.. …
وفي المدرسة، عند حديثنا… عن لغات التدريس، لا سيما العلوم والتقنيات والدراسات الجامعية… إلخ.
وفي هذه الجغرافيا المحددة بفضاءات الدولة والعموم، يدور الحديث عن اللغة الأمازيغية وعن العربية وتدريس العلوم..
بالنسبة للأمازيغية يوجد قانونها أمام البرلمان، ولم يتم الحسم فيه إلى حدود الساعة…
وبالنسبة للغات التدريس، وبالأخص العربية في علاقتها بالعلوم، ما زال القانون الإطار نفسه، رهين التفاوض الداخلي وسط البرلمان..
في الواقع الحي، كل التفاوضات والنقاشات والمقاربات والمشاحنات حتى .تتم… باللغة العربية!
وللمفارقة هي اللغة التي تبدو وكأنها في حاجة إلى الدفاع عنها!
وأنها الأكثر عرضة للتهديد
والأكثر عرضة للاعتداء
والتحرش
ومحاولات الانتهاك
والنفي
والاستئصال
….!
في هذا الدفاع، هناك من يقف عند اللحظة الدينية الأولى
أي الجذر اللاهوتي للغة العربية
أو تجذر الكلام البشري في الكلام الإلهي..
ويكتفي بذلك في نسيان تام للتاريخ
وهناك من يخرج من اللاهوت لكي يدخل بالعربية إلى مضان القومية المغربية..
كما حدث في أوروبا مع إطلالة القرن 18، حسب موريس أولاندر صاحب كتاب “لغات الجنة …أوالفردوس”!
لا بأس «، هل سبقتنا أمم في هكذا نقاش أم نحن نخوضه باستحقاق تاريخي، وجدارة إبداعية فريدة، هي الأولى من نوعها؟
أبدا، شعوب كثيرة ..حاولت أن تجد لآدم وحواء لغة للحديث..
اللغة العبرية حلمت بهذا التتويج الأصولي.
وحسب القديس اغوستين، بالضبط..
اللغة الشيثية مع ليبنتز ..كانت قد حلمت بذلك.
يمكن أن نعيد طرح المحاولة من جديد:
المغرب ليس هو الفردوس طبعا، ولا يمكن أن نحول النقاش عن اللغات والتدريس بها إلى سؤال طاعن في الغيب:بأية لغة تكلمت حواء مع أبينا آدم وبأي لغة رد عليها في أول خلاف حول الشجرة؟
يمكن أن تكون جنتنا بدون إشكال لغوي:كانت حواء تتكلم الأمازيغية، وآدم يرد بالعربية.
وكان هو يتحدث العربية وهي ترد بالأمازيغية، في كل مناطق المغرب الواسع، ولم يكن هناك حاجة إلى إشكال لاهوتي لكي نعيد ترتيب الطبقات الصوتية..
كما أن لغات التدريس، ليست هي بالضرورة لغة الشيطان الذي أغرى الأبوية بالخروج من جنتهما..يتحدث الفرنسية ولا الانجليزية..
لسنا في الفردوس لكي نبحث عن لغة أصلية ولا لغة الشيطان
كما لو أن أبوينا المغربيين أيضا
آدم وحواء راحا ضحية الثعبان، كما في حكايات الجدات، الذي كان يتوسل إليهما بالفرنسية وبالإنجليزية !
نحن في تاريخ يصنعه المغاربة…
ومدرسة يصنعونها.. هم أيضا.
إن الإشكال اللغوي خرج من السماء لكي يصير في عمقه، مسألة سوسيولوجية، في الكثير من بلدان الجوار
ومسألة اقتصادية، كما صار مسألة حضارية وقيمة من قبل..
لكن في كل تلك المراحل كان يعالج كمعضلة وليس كسحر، ولا زندقة ولا سموا عرقيا..
نحن أمام معضلة في التأخر الحضاري
والثقافي
والدراسي
والعلمي
والتكنولوجي…
وهذا هو البشري فينا الآن.!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 27/02/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *