المجلس الأعلى للحسابات: المنظومة والتوازن 2/1

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لم يسبق أن كان تقرير المجلس الأعلى للحسابات تحت الأضواء الكاشفة كما هو عليه الأمر الآن.

لماذا؟ يتساءل الصحافيون وكتاب الأعمدة وأصحاب الرأي وقطاع واسع من الرأي العام .. ولعل الجواب يكمن في السياق العام الذي يرافق تقريرا لإحدى مؤسسات الحكامة في البلاد، بكل تفرعات هذا السياق.
أولا، ارتبط اسم المجلس، ورئيسه، بقرارات سياسية هامة، ولعل أهمها قرارات الإعفاء التي طالت الموجة الأولى من المسؤولين، باعتماد تقارير المجلس كقاعدة لربط المسؤولية بالمحاسبة، هذا المبدأ الدستوري، الذي أصبح له مدلول ملموس، وجسم يحمله، من جهة القرار،… لاسيما وأنه خلق زلزالا غير مسبوق، ربما فاقت طبيعته ودرجته … ما قبله من قرارات الإعفاء لأنه مسنود بمبدأ دستوري..
ثانيا، لم يكن التقرير فقط، أداة في الزلزال السياسي، والذي مس زعماء أحزاب ووزراء، بل إنه كان إعلانا رسميا عن فشل منظومة الحكامة نفسها في قطاعات تتوزع المسؤولية فيها بين المسؤولية الحزبية ومسؤولية الدولة التقنوقراطية.. وما لا يمكن القفز فوقه هو هذا الفشل المرقم، الفشل الذي نعنونه تاره بالاختلالات وتارة بالتعثر وأحيانا كثيرة بالتبذير اللامبرر للمال العام..
وهنا لا يمكن أن يسلم أي كيان من كيانات الدولة، بمعناها الواسع، من ضرورة إعادة النظر في سيرته التدبيرية.
ثالثا، يتزامن الاهتمام البالغ – وقد يكون مبالغا فيه في بعض الجوانب- مع لحظة وطنية كبرى تتميز بالنقد الذاتي، والنقد الشامل الذي يخضع الكيان الوطني نفسه له. وبمعنى هناك دعوة صريحة إلى إعادة النظر في النموذج التنموي، وإعادة النظر في مواثيق الاستثمار وإعادة النظر في المنظومة التربوية، وفي معنى الالتزام المواطن، للأفراد والجماعات،.. ويمكن أن يكون هذا التزامن سقفا إدراكيا للصورة التي تريد الدولة أن تعطيها لنفسها، بما يجعلها راضية عن نفسها….
رابعا، تهب على العالم ريح تلخص النقد الديموقراطي، بل الوجود الديموقراطي نفسه في النزاهة ومراقبة المال العام، ففي فرنسا كما في الولايات المتحدة وألمانيا وغيرها أصبحت الأزمة الأخلاقية للديموقراطيات الكبرى مرتبطة بالأزمات المالية، ومواجهتها بنجاعة الدفاع عن التدبير السليم والحكامة المالية….
خامسا:السمو الدستوري الذي يتمتع به المجلس في المراقبة المالية، قد يجعل منه قوة حقيقية مؤسساتية، ويعطي للتقارير معنى معينا يكتسب قوة سياسية لا تغيب عن النظر.
فهذه الأسباب ولا شك غير حصرية، تطرح ما بعد التقارير نفسها، وهو ما يطرح مناقشة الفعل المؤسسي لمجلس السي جطو من زاوية توازن السلط، والقدرة المؤسساتية، القضائية، ولا شك، في إحالة الملفات على القضاء، وتجويد القانون المنظم له لكي يستجيب للكثير من التطلعات، وهو ما سنتناوله في الجزء الثاني من المقالة…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 11/09/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *