المقاطعة والموقف الحكومي..التوزيع العادل لحرية التعبير؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

اقتنعت الأطراف المعنية بالمقاطعة، لاسيما في أوساط الحكومة ورجال الأعمال، بضرورة التعامل مع الـ «مسيرة» الفايسبوكية ضد المنتجات المحددة بالأسماء، بكل الجدية المطلوبة.

وبعد المعنيَيْن، ثم البرلمان، تحدث بلاغ حكومي عن المقاطعة كواقع حال قائم.. «تم استحضاره» من باب الانشغال بشهر رمضان .. والأخبار الزائفة..!
وتبين لنا من الندوة الأسبوعية المعتادة للناطق الرسمي باسم الحكومة أنها:
* أولا: لم تضف أي شيء عما يعرفه المغاربة، أو مما ورد في بلاغ سابق لإدارة شركة سنطرال ودانون، الحامل للاعتذار والتكفير عن التخوين المزاجي، الذي صدر في حق الداعين إلى المقاطعين والعاملين لها…
* ثانيا: جديد البلاغ الحكومي، هو التبني الرسمي والعمومي لإشكال من صميم المصلحة الخاصة..، تدور أطواره بين قطاعات من الرأي العام، وبين ثلاث شركات معنية بدعوة هذا القطاع إلى مقاطعة منتوجاتها..
* ثالثا:كان يمكن للبلاغ، أن يكون بلاغا عن طرف خامس معني بالمقاطعة، أي الشركات الثلاث و… المقاطعين والحكومة،غير أنه كان بلاغا عن الطرف.. الثالث! وذلك لأن شركة المياه المنتجة لسيدي علي، وشركة الحليب الدانون، قد أصدرتا بلاغيهما، في حين أن الشركة المعنية بتوزيع المحروقات، اكتفت بمواقف المدافعين عنها بدون بلاغ رسمي يعطي تأويله لما يفهمه من المقاطعة..
وبمعنى آخر، لقد تحدث اثنان من الفاعلين الاقتصاديين الثلاثة المعنيين بالمقاطعة عن الأمر، بوضوح، وبتعامل تفاوتت درجة موضوعيته ولغته وتركيبته الرمزية .. في حين، بدا أن الحكومة سبقت الفاعل الثالث أو نابت عنه، حسب درجة الشك، أو الثقة في الجهاز التنفيذي، وقدرته على التوفيق بين مصالح المنتظرين لمواقفه..
* رابعا: كان سيكون للبلاغ قدرة على الإقناع لو أنه استند إلى أرقام محددة، ذات صلة بخسارة الاقتصاد الوطني ككل، بالإحالة على شرعية الدفاع عن ضياع مدخول للخزينة الوطنية.. الحكومة، كان من الأجدر لها أن تحدد كم خسرت الحزينة من المقاطعة وتقدمها للرأي العام على الأقل كمبرر مباشر ومادي لتدخلها ولمواقفها..
– من بين كل الوسائل التي بيدها، اختارت الحكومة «الهضرة»، البلاغة القانونية، الحديث عن مصلحة عامة ، بدون إقامة الدليل على أن هذه المصلحة في خطر.
وكان عليها أن تتحدث أيضا بلسان المقاطعين، وتستحضر الاحتقان الاجتماعي، وتستحضر الظروف الصعبة، وفشل الجلسات الرسمية للتفاوض الاجتماعي في تفكيك، القنبلة الاجتماعية .. الخ،
ذلك لم يكن حاضرا بالقوة التي تضعنا أمام التوزيع العادل لحرية التعبير من خلال المنبر الحكومي!
– الربط بين الحديث عن المقاطعة والردع القانوني حول نشر الأخبار الخاطئة، لم يكن في حاجة إلى تراكيب نحوية أو صرفية لكي يستقيم، بل السياق وحده يخلق المعنى، وهذا أمر تفهمه المؤسسة المكلفة بالمعنى في الخطاب الحكومي..
وقد كانت هناك فرص عديدة لدى الحكومة في ترسيم الحديث عن معاقبة الأخبار الزائفة: سنة بكاملها والمغرب عرضة للـ «فاك -نيوز»، وكان لنا في بلاغات الإدارة العامة للأمن الوطني خير دليل، إذ كانت عرضة، من بين مؤسسات أكثر حساسية أخرى لهذا النوع من الحملات..
والخلاصات التي يمكن الخروج بها، هي أن الحكومة أحيانا، كلما أرادت الشفافية، وإلا …زادت من خوفنا!
فقد كانت المناسبة سانحة لتواصل قوي، مع القطاعات الواسعة التي فرضت نقطة المقاطعة على جدول أعمال الاجتماع الأكثر تأثيرا، سياسيا، في الحياة الوطنية اليومية.
كما أن المحاولة، نحو جر التفاعل أو الرد الحكومي إلى بنده القانوني أو القضائي، كمرحلة ثانية، هو منحى ليس فيه جديد، سواء كانت مقاطعة أو كانت مظاهرات (الريف، جرادة، الفايسبوك …).
سكان الريف، ثم بعدهم سكان جرادة، كلهم يعرفون ذلك…، وعلى التقسيم القضائي الجديد أن يضيف الآن سكان أقاليم الفايسبوك، بوكلاء الملك من ذوي الاختصاصات ترابيا!
ولنكن جديين: إن منح الدولة سلطة تحديد ما يمكن – أو لايمكن – للناس قوله، لن يحسن أبدا من وضعية الذين لا يملكون حاليا أي سلطة في المجتمع … اللهم إلا ما كان من سلطة المقاطعة، ولن يكون بمقدور أي كان أن ينزعها منهم !

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 12/05/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *