بعيدا عن منطق «توازن الرعب»…

عبد الحميد جماهري

لماذا يجب أن نعتبر أن النقاش العام والعلني بين الإدارة العامة للأمن الوطني وبين المجلس الوطني لحقوق الإنسان..
انتصار للبلاد…؟
ولحظة غير مسبوقة في تاريخ الأمن
وتاريخ الحقوق
معا..
***
ما يحدث اليوم من نقاشات وتقارير وتوضيحات ومواقف حول التعذيب، ليس تهمة، بل هي شهادة أننا نتعافى…
وشهادة أيضا بأن الحديث عن مسألة حقوقية ذات حساسية، ضرورة عمل
وضرورة تقدم..
لم يحدث في تاريخ المغرب الحديث أن تقابلت مؤسستان سياديتان، هما الأمن والمجلس الوطني، وجها لوجه حول جسد المغاربة…
وكرامتهم..
وحقوقهم..
لم يحدث أن دافع الأمن عن نفسه بالوسائل التي كان يعتبرها في الماضي تهمة، جريرة وشبهة: الحق في الرد …
والحق في المعلومة
والحق في الحق!
لهذا ليس الجديد هو أن يتحدث مجلس وطني لحقوق الإنسان يترأسه يساري ،
ويؤمن سكرتاريته يساري آخر..
عما يعتبره غاية وجود: أي التعذيب ومحاولة الفهم فيه،
الجديد أن يؤمن العقل الأمني ويتوسل الوسائل الحقوقية في الدفاع عن أهله..
وعن ممارستهم..
لهذا كيفما كانت النتيجة، فإننا رابحون..
وسنكون ممتنين لملك البلاد أنه أباح، للأشياء التي عادة ما كانت لا تصل إلا للخلص أن تكون في متناول الصحافيين
وعامة الناس
والأطباء
والحقوقيين
ورجال الأمن
***
كان من الممكن أن نقرأ هذا من زاوية »توازن الرعب«
بين الأمن وبين المجلس..
بين ذاكرة أليمة
وحاضر يستشرف …غده!
وأن نقرأ هذا من زاوية توازن الرعب:
بين من ضربوا
وبين من هربوا..
لكن واقع الأمر أن العهد السياسي الجديد الذي فتح المصالحة، ما زال يؤمن بتبعاتها الحقوقية …ويؤمن بأن المغاربة عليهم أن يعرفوا ما يجب أن يعرفوه..
ومن الواضح أن »وضعية المعتقلين على خلفية أحداث الحسيمة«، صارت على جدول الأعمال الوطني بأمر ملكي، كما أنها ستكون محور متابعات دولية..
وأخرى وطنية،
وثالثة يتفحصها الأصدقاء
والرابعة يتبعها الأعداء ..
الخ!
وسيكون علينا أن نحتمي بمفاهيم متفق عليها حول التعذيب: تعريفه
مكانه، ومتى يكون التعذيب يحمل آثاره القانونية والحقوقية،
والفرق بينه وبين المعاملة السيئة
ومتى يكون ممنهجا
ومتى يكون مؤسساتيا
وهل معاملات خارج مقرات الفرقة الوطنية، تعد تعذيبا أم سوء معاملة، وماهي الظروف التي تجعل من أية ممارسات تعذيبا..
وهذا شغل الحقوقيين والقانونيين ورجال الأمن بدورهم، ورجال الدولة والمناضلين، وشغل المغاربة قبل وبعد..وقد راكمت بلادنا أدبيات غزيرة في هذا الجانب، ولنا توصيات أحدث بموجبها تحول دستوري كبير، وما زلنا نعتقد بأن جزءا من التطور الحاصل هو دسترة التوصيات تلك، وأن من بين الأشياء التي تساهم في بلورة مغرب جديد هو هذا التاريخ المشرق من العمل الشامل، وهو جزء من ذاكرة مغربية يشترك فيها الحقوقي والأمني، وبدون صياغة ذاكرة مشتركة لا يمكن أن نفهم المصالحة الشاملة..
ولا يمكن أن تشتغل الذاكرة الجريحة للمغرب ضد الحكامة الأمنية التي لا دخل لها فيها، كما لا يمكن لذاكرة المغرب أن تظل بدون حراسة من استمرار هيئة الإنصاف، وإن كانت ذاكرة الألم قد تحولت إلى نصوص دستورية واضحة..
***
يبدو أن تقديرات العمل بين المكلفين بالتحقيق، جزء من داخل إدارة الأمن وجزء من داخل المجلس الوطني، بمساعدة أطباء شرعيين، ليست موحدة، إذا ما صدقنا ما تسرب من تقرير الطبيبين، ولاسيما في ما يخص التوصيات.
عندما يكون في تقارير الطبيب الشرعي ما يبعث على الخلاف، هناك ما يدعو إلى تنسيب ما قيل في التقرير :
فطبيب يوصي بكل ما له علاقة بالتعذيب وبالتحقيق فيه، ضمن المسطرة المتعلقة بالتحقيق، في حين يذهب طبيب آخر إلى الدعوة إلى «ألا يظل المسؤولون عن الانتهاكات بدون عقاب«.. وهي عبارة لا يمكن أن يسلم بها العقل المؤسساتي، وإن كانت الحكامتان معا، الأمنية والحقوقية، تسلمان بها وتلتزمان بها.
بعض التحقيقات قد تعطي عكسها، إذا ما شابها «عجز في المسطرة»، وهو ما قد يعيب مسؤوليته في الحديث عن حجج التعذيب،
ولن يفهم العقل المؤسساتي كيف يمكنه أن يقدم »توصيات« بالتحقيق
أو توصيات بالقصاص، كما لو كان يحل محل القضاء، في حين أن عمله يجب أن يكون «باردا برودة الموضوعية» وبرودة الأعضاء المصابة بالتعذيب إن وجد..
ولا يمكن أن يعوض الدولة في تعريفها لامتلاك العنف الشرعي..
هناك، من جهة حرص من الدولة على حكامتها الأمنية، بناء على مسار طويل من المصلحة..
و هناك من جهة أخرى الامتحان الذي نعيشه جميعا: هو أن نفكر بشكل جماعي في تدبير هذه الحكامة والعيش بها، دون عقلية تعميق الشعور بالذنب، أو استعمال الماضي ضد الحاضر، وإلا فلن يكون لكل عملنا المؤسساتي قيمة..
ولا قيمة لأي نقاش يلغي كل ما تراكم من أشياء إيجابية، والتحول الكبير في الحكامة الأمنية، والطريق التي قطعناها..
ولا يمكن أيضا أن نلغي الطريق التي لم نقطعها بعد في طريق مغرب حقوقي قوي، آمن ومستقر، نعرف جميعا أن حدوده كلها، كلها، كلها، تتطلب دولة قوية!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 08/07/2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *