تعددت الخسارات، والربح واحد

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

ثمة تلاطم في المشاعر والمواقف لدى المسؤولين المباشرين، أو غير المباشرين من المقاطعة، وما تعبر عنه من مواقف غاضبة

هناك التخوين
والتهديد
هناك التحدي
والتشهير
هناك التبخيس
والتهويل
وهناك المسامحة
وطلب الصفح
وهناك التواضع
وطلب الصلح
وهي مشاعر تبقى ذاتية، تتعلق بعاطفة خاصة. أو بـ «الصورة الصوتية» للإحساس العاطفي إذا شئنا استعمال لغة عالم النفس الفرنسي «جاك لاكان»، الصديق العلمي لرئيس الحكومة المغربي !
أما السياسي عندما يعتذر، فلا بد له من أن يبحث عن بنية دالة يمكن للمواطن، أو الناخب أو المستهلك أن يلمسها ويجد لها مبررات خارج التعريف الأخلاقي العاطفي، الذي لا يقل قوة وحظوة في العمل التواصلي.
وهذه البنية الدالة عادة ما تترجمها الاستقالة، أو التراجع أو النقد الذاتي أوالـثلاثة معا.
في الاستقالة، هناك استحالة عملية وتقاليد، بالرغم من أن خطاب ملك البلاد كان صريحا بالنسبة للذين يقولون إنهم يجدون عراقيل في العمل لتطبيق ما أعلنوه.
غير أن الخسارة تكمن في أن الذين عليهم أن يستقيلوا في هذه الحادثة، سيراكمون الخسارة السياسية والأخلاقية والتدبيرية وهو أمر ليس بالهين، عندما تحين ساعات الامتحان الديموقراطي في ما نعتقد.
بالنسبة للتراجع، هناك مطلب يتبلور يخص ضرورة تضريب الربح الذي تحقق ،لا سيما في المحروقات.
وهذه الضريبة البعدية عن الربح، لها أس أخلاقي، لا يمكن أن يسقط الصفة القانونية للربح.
وبمعنى آخر، فإن مجال تضريب الربح، كان من الممكن أن يكون له معنى عبر تضريب الثروة وبما أن الحكومات مازالت ترفض فرض ضريبة محترمة على الثروة، فمازال يصعب أن ينتصر الوازع الأخلاقي في دفع الرابحين إلى اقتسام جزء من ربحهم مع الدولة أو مع المواطنين.
والتراجع هو أيضا صفة من صفات مراجعة تطبيق القرار الاستراتيجي الذي اتخذته الحكومة السابقة ضمن اختيار شامل للدولة المغربية.
وهو أن عليها أن تراجع الطريقة السهلة والمتوحشة التي أطلقت بها التحرير في الأسعار الخاصة بالمحروقات على طريقة «دعه يسير دعه يمر» بدون إشارات مرور ولا مدونة للسير.
والحل يقول به الخبراء واعتمدته دول أخرى كبلجيكا
وهو خيار بدأ الدفاع عنه من وسط الحكومة
والحكومة ليست مطالبة بتبني هذا الأمر بالمطلق، قبل القيام بنقد ذاتي حقيقي
­ يتمثل هذا النقد الذاتي في الإقرار بخطأ القرار السابق في إطلاقيته، بكون قرار التحرير عشوائيا وهو يطبق بدون آلية للضغط على الرابحين
­ الإقرار بـانخفاض سعر النفط في العالم في حين ظل سعر البنزين مرتفعا في بلادنا، مع ما يلزم ذلك من تحقيق عميق في قدرة القطاعات المعنية على استشراف عملية من هذا النوع وقدرتها على حماية المواطن في أهم منتوج عالمي، راكمت متابعته تجارب ومعطيات ودلائل كافية لكي تحفز الحكومة آلية التوقع لديها.
مع غياب ذلك، هناك خسارة حقيقية في بناء الثقة وفي قدرتها على التخطيط أبعد من لحظة الراهن.
­ الإقرار العلني بقوة التعطيل التي يملكها الرابحون مع ما يتأسس على ذلك من مواقف فقد قال رئيس الفريق الأغلبي، إن مجلس المنافسة، الذي أنشئ في 2008، مجمد ودون أعضاء بسبب ما يقول مراقبون إنه ضغط «لوبيات اقتصادية قوية ترفض أي سلطة رقابية»، عليه أن يخرج من قفص اتهام الآخرين ويدخل إليه، باعتباره رئيس الفريق نفسه الذي تولى القرار، بل الذي يسند الحكومة في ضعفها أمام اللوبيات، دفاعا عنها ودفاعا عن مواطنيه.
­ سهر رئيس الحكومة على تشكيل لجنة وزارية تحت إشرافه المباشر لدراسة أثمنة المنتجات الأكثر تداولا في السوق، والتي تدخل في الاستهلاك العادي للمغاربة من أجل اقتراح حلول حتى نتمكن من تخفيف الضغط على القدرة الشرائية للأسريبرز بجلاء خسارة الحكومة لماء الوجه في وجه الذين يربحون.
طبعا هذا إعلان رسمي عن وجود خلل فظيع، كان لا بد من مقاطعة مزلزلة لكي تنتبه الحكومة إلى ما يجري.
ويقتضي النقد الذاتي أيضا العودة إلى ملف سامير.
فهذه الشركة التي جرت خوصصتها في 1997 وتوقفت عن العمل في 2014، كانت مرجعا لأنها كانت تقوم بالتكرير، وكنا نعرف ثمن التكرير والتصفية والتكلفة على حد قول النائب بوانو، وهنا لا يمكن أن يقف الأمر عند وصف الحالة المعطلة، كما هو حال مجلس المنافسة، بل لا بد من العودة إلى صلب المشكل وحله…
على كل، الواضح أن هناك خسارات عديدة: الحكومة
المواطنون
الدولة
العمال
والاحزاب
في حين يبقى الربح واحدا وهو لا يطاله خوف، اللهم ما فرضته المقاطعة

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 19/05/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *