توشيات هادئة على مواضيع صاخبة…

عبد الحميد جماهري

1 – لا أحد، في النقاشات العامة والمؤدلجة في الغالب، يسأل بأى لغة سيتم تكوين أبناء المغرب.. مهنيا، فالتكوين المهني، في ما يبدو، ليس بنفس القوة التي يمكنها أن تشطر المجتمع إلى نَحْويين ربانيين وآخرين دهريين أو حتى مستلبين..
التكوين المهني، الذي يوجد اليوم في صلب الأجندة الملكية، موضوع تعليقات ذات طبيعة سياسية وأخرى مؤسساتية، كما أنه محك قوي لاختبار أهلية وقدرة رئيس الحكومة على تولي ملف يحظى بمتابعة قريبة ولصيقة من طرف ملك البلاد..
وهو موضوع «امتحان» حكومي قبل أن يكون امتحانا لنموذج التكوين الذي يليق بالبلاد.
وللمرة الثانية اجتمع الملك باللجنة المكلفة بالموضوع، واستمع إلى أعضائها، وكان بلاغ الديوان الملكي واضحا:أمامكم فرصة أخيرة لتقديم شيء ذي بال ويستجيب لما نريده من قفزات نوعية تليق بجيل جديد من المغاربة الذين توجهوا إلى التكوين المهني..
وفي خضم هذا الامتحان، لا بأس من اختبار الرهان اللغوي أيضا في قضية التكوين المهني، فهو، أي التكوين، لا يمكن أن يتم بلا لغة، ولا يمكن أن نوفر على أنفسنا أسئلة إجبارية تخص التكوين التقني والعلمي في المراكز التأهيلية والتكوينية: بأي لغة سنحلم لشبابنا بمكان تحت الشمس في سلك الإنتاج؟..
هذا أيضا من الأشياء التي ينتظر فيها ملك البلاد والبلاد جوابا شافيا….
وعلى كل، فالتكوين المهني امتداد للمدرسة، حتى لا يظل النظر إليه كما لو كان مدرسة من درجة ثانية…
2 – في الأصل الفردوسي للغات:تتمة غير معلنة للحراك اللغوي.
– مقطع من كتاب موريس أولاندر” لغات الفردوس”-
…..مع بزوغ فجر النهضة في الغرب قفز موضوع لغات الفردوس إلى الواجهة ولقي رواجا في مختلف أنحاء أوروبا، حيث شرع كل فريق يبحث عن لسان أجداده في الفردوس، وكان من بين الشهود الكثر على هذه النزاعات القومية مؤلف سويدي عمد إلى إنشاء محاكاة هزلية تسخر من هؤلاء جميعا، إنه اندرياس كمبييه الذي أصدر في مدينة هامبورغ سنة 1688 كتابا بعنوان “لغات الفردوس” . حدث ذلك على أثر صدور قرار بنفيه عن أحد رجال الدين اللوثريين، حيث شرع يتسلى في منفاه بتأليف سلسلة من الحوارات الجدلية ضمنها إشارة إلى الجانب المضحك من ذلك السباق الدائر حول جنة عدن العامرة باللغات….
ومع إطلالة القرن التالي، قدم غ.ف.لايبنتز (G.W Leibniz) (1716-1646) عرضا لما استجد من أصول علم المقارنة اللغوية، الذي يعتبر أحد مؤسسيه. وما كان في ذلك إلا ليشاطر الرأي أولئك الباحثين الذين مافتئوا، منذ عصر النهضة، يناضلون في سبيل إحياء فرضية قديمة تقول إن انطلاقة اللغات الأوربية. كانت من القارة المدعوة »شيثية«.
هذا هو الإطار الذي راحت فيه الحركة الهندو – أوربية تنمو وتتبلور، متساوقة مع الرغبة المعلنة في »إلقاء الضوء على أصول الأمم«، حيث رأينا لايبنتز يشير، في سياق عرضه، إلى »طبيب عالم« من مدينة أنفرس (Anvers) يُدعى يان فان غورب (Jan Van Gorp) (1572-1518). معلنا أنه »لم يُخطئ كثيرا حيث زعم أن سمات البداءة الظاهرة في اللغة الجرمانية – أو السمبريتية، كما كان يسميها – تعادل ما هي عليه في العبرية، لا بل تكاد تكون في الأولى أقوى وأظهر منها في هذه الأخيرة«.
(…) اللافت هنا أن يقظة. الوعي القومي في مناطق عديدة من أوربا قد أذكت، في مرحلة أولى، روح المنافسة بين شعوبها، بحيث عكف كل منها منفردا على استبانة ملامح اللغة الأولية في لسانه القوي. ثم جاءت لاحقا فكرة اللسان السلفي المشترك بين اللغات الأوربية لتطلق نموذجا مفهوميا مجردا قيض له أن يجد صيغته النهائية في الفرضية الهندو – أوربية. وقد راحت هذه الأخيرة تنمو وتزدهر في غضون الفترة الممتدة بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، وسط مناخ من الجدل الناشط حول الأشكال البدائية الخاصة باللغات الهندو – أوربية والنقاشات الأثرية الرامية إلى تحديد موطن الهندو – أوروبيين الأوائل…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 04/03/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *