تونس تهمنا 2/1

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

يمكن لثورة كل شيء فيها معلن أن تأتي بنتائج لا شيء فيها قابل للقراءة، وعلى عكس كل ما كان متوقعا، فقد انتهت الثورة التونسية في مرحلتها الأولى إلى اختيار شخصية من القرن الماضي للإجابة عن أسئلة القرن الحالي، وكانت الثورة السابقة قد أعادت إلى الحكم شخصية من العهد البورقيبي، هو باجي قايد السبسي، وبرحيله تكون قد رحلت آخر شخصية أعلنت انتسابا واضحا للبورقيبية، تلك الفلسفة السياسية والمجتمعية عموما في الحكم، والتي برزت منذ استقلال تونس.
وبذلك يكون هذا أول فارق بين انتخابات 2014 التي أوصلته إلى الحكم، والانتخابات التي جاءت بعد مغادرته الحياة!
**
انتخابات 2019، السابقة لأوانها، جاءت بباراديغم جديد وغير معروف مطلقا، بوصول رجل مسجون، نبيل قروي إلى الرتبة الثانية وأستاذ القانون الدستوري.قيس سعيد. والذي لم تساعده أية قوة ذات بال من القوى التي أظهرتها الثورة أو التي أغبرتها،…
وتقول سيرة «نبيل القروي (56عاما ) إنه مؤسس قناة “نسمة”، وقد ترشح للانتخابات الرئاسية بعد تأسيسه حزب “قلب تونس”. ومن خلال سعيه إلى توزيع إعانات وزيارته المناطق الداخلية من البلاد، بنى المرشح ورجل الإعلام مكانة سرعان ما تدعمت وأصبح يتمتع بقاعدة انتخابية لافتة.
وقرر القضاء التونسي توقيفه قبل عشرة أيام من انطلاق الحملة الانتخابية على خلفية تتعلق بتبييض أموال وتهرب ضريبي، إثر شكوى رفعتها ضده منظمة “أنا يقظ” غير الحكومية في العام 2017.عندها، قرر القروي الدخول في إضراب عن الطعام من سجنه، بينما تولت زوجته وعدد من قيادات حزبه “قلب تونس” مواصلة حملاته».
وتقول سيرة »أستاذ القانون الدستوري سعيد الملقب بـ”الروبوكوب (الرجل الآلي)” يتحدث باسترسال حرصا منه على أن تكون حملته معتمدة على التواصل المباشر مع الناخبين، وقد استطاع الانتقال إلى الدورة الثانية متصدرا نتائج استطلاعين للرأي.
اللغة العربية لا تفارق سعيد، يستضيفه الإعلام التونسي كلما كان هناك سجال دستوري في البلاد، ليقدم القراءات ويوضح مواطن الغموض من الجانب القانوني«….
الرجلان معا يقدمان نفسيهما على أساس أنهما ضد النظام، “كونطرسيستيم”، بالمعنى الواسع، ومع أن النظام الجديد لم يعمر أكثر من ثماني سنوات كاملة مكمولة، فإنه في ما يبدو صار يظهر لجزء من نخبة تونس قديما تستوجب الإطاحة به وأنه قد بلغ من النظام عتيا..!
تونس في خضم كبير حقا..
تسقط بسرعة كبيرة نخبها، كما في ثورات العهود السابقة، عندما تكون المكونات التي تفجر تناقضات النظام متساوية القوة، وتتصارع، كما الأمواج بعضها فوق بعض وبعضها يطيح ببعض..
**
تغير الباراديغم يتبين أيضا من خلال المقولات المهيكلة للصراع الانتخابي، ففي الحملة السابقة، والتي أعقبت المرحلة الانتقالية، سقطت نخبة الثورة، وعلى رأسها منصف المرزوقي، واستطاع قايد السبسي أن يجعل من “نداء تونس” نداء استرجاعيا للبورقيبية، من أجل تجميع قوى الحداثة، التي لطختها تجربة الحكم بعد رحيله… ومجيء بنعلي.
حزب نداء تونس، الوارث المعلن انقسم …
النهضة علقت نداءات الشريعة وأعلنت أنها حزب عادٍ محافظ ككل المحافظين في العالم، يقوده عبد الفتاح مورو..
والواضح أن الوصول إلى حد أدنى دستوريا، متوافق عليه، وإضافة إلى تحولات كل فريق على حدة.حيث أرجع الخلاف الإديولوجي أو التمايز حداثي ضد محافظ إلى المرتبة الثانية، ولم يعد هو نقاش الصدارة في تونس..
**
البراديغم المثلث يكتمل بنسبة المشاركة…

بالمقارنة مع الرئاسيات السابقة عام 2014، نزلت المشاركة من 64 %إلى 45 % ، أي بمايقارب ناقص 20 نقطة، وهو فارق كبير، بالنسبة لساحة سياسية ما زالت تتنفس بخار ثورة الياسمين..
بالمقارنة مع المشاركة الواسعة في الثورة، هناك مفارقة كبرى تتعلق بنوعية المعنى الذي يعنيه الالتزام السياسي، فهو ليس بالضرورة التزاما انتخابيا، بمعنى نزع الطابع الانتخابي عن الالتزام السياسي الممثل في الانخراط الحزبي وفي التصويت وإجباريته الأخلاقية والمواطناتية.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 17/09/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *