رأي مغربي في راهن جزائري…

عبد الحميد جماهري

بالنسبة للمغربي الذي هو أنا، لا يمكن أن أدعي، كما لم يفعل آباؤنا منذ المقاومة، أنه يمكن متابعة ما يجري في الجزائر بحياد وموضوعية باردة.
هناك لا شك الحرص على احترام إرادة الجزائريات والجزائريين، لكن هناك التفاعل الذاتي والعام مع الأوضاع في البلد الشقيق.
أولا، لأن الجوار الطبيعي والجغرافي يجعل من التراشح مسألة واردة، مهما كانت الحدود مغلقة.. التأثير الذي يمكن أن تخلقه الأوضاع في الجزائر لا يمكنه أن يبقى بعيدا عن المغرب، ولا يمكن أن نتصور بأنه سيقف عند الحدود الشرقية للمغرب.
إضافة إلى أن جزءا من القيادات النظامية في الجزائر تعتبر بأن تعريف وجودها هو إعادة التشديد على جارها المغربي باعتباره العدو الضروري لتلاحم البلاد! وهذه خيارات طالت وتجد باستمرار من يعيدها إلى تحريك التاريخ المعاصر للجزائر.
ومن المحقق أن المتابعة المغربية، تهم مصير شعب شقيق، مطلوب منه أن ينجح أربعة انتقالات كبرى، عاش المغرب بعضها بهذا القدر أو ذاك من الألم…..
* الانتقال الديموقراطي، ومع ما يتطلب ذلك من طي صفحة الماضي، والاتفاق الوطني على إعادة تشكيل الدولة على تعاقد جديد، والتسليم بالتناوب السياسي على السلطة، والإقرار بدور الأحزاب والمؤسسات في بناء الهوية الديموقراطية للبلاد…إلخ.
وهو مسار لا يمكن الاكتفاء به بالمكون الذي يقدم كاستقرار..
* الانتقال الطاقي والجزائر، مطالبة بالفوز فيه، لكي تنجح نموذجا اقتصاديا مبنيا على الإصلاح والخروج من اقتصاد الريع، وشراء الأمن المجتمعي بتوزيع الثروة.
واليوم مع تقلبات السوق وتراجع المداخيل بدون تنويع الموارد الاقتصادية، على الجزائر أن تتعامل مع مطالب الجزائريين بما يضمن إنضاج شروط عيش جديد.
* الانتقال العسكري، وهو انتقال صعب، ومفاده أن الجزائر، التي عرفت تاريخها الوطني كما لو أنه تاريخ جيشها الوطني، منذ الاستقلال وإلى حدود 1988، مع الانتفاضة الكبرى في أكتوبر من نفس السنة، أيام الرئيس الشاذلي بن جديد، عرفت التعددية الحزبية بعد أحداث رهيبة والعديد من القتلى، كما عرفت بروز المكون المدني في الدولة، وخروج نسبي للجيش من دائرة الحكم الأولي.
غير أن هذه الفترة سرعان ما ستغلق أقواسها مع أحداث 1991 والحرب الأهلية التي تلتها، والتي تميزت بالعودة القوية للجيش والتحكم المباشر في مسارات الحياة الوطنية….الانتقال الرئاسي: منذ عودة بوتفليقة، كان هناك سعي من لدنه إلى إقامة نظام رئاسي قوي، يفرض إيقاعه على بنية الدولة، وقد تأتى له جزء من ذلك، وجعل الانتقال الرئاسي صعبا أيضا..
هذه الانتقلات لا يمكن أن تقفز عليهادول المنطقة القادرة على الرؤية … . والمغرب معني، والمغاربة مثلي يعتبرون بأن أي تفكك أو
وضع لا سياسي في البلاد لا قدر له، سيكون له ما بعده وانعكاساته على المنطقة كلها في شمال إفريقيا..
بطبيعة الحال، هناك الوضع داخل الجبهة الانفصالية التي تنازع المغرب وحدته الترابية، والجميع يعرف بأنها امتداد جيو- استراتيجي للنظام في الجزائر. ولا شيء يضمن أن تفكك قيادة الدولة لن ينعكس على ولاءات مكونات الجبهة وبالتالي على استراتيجيات كل جناح من أجنحة النظام..
فالدولة تحتضن الانفصاليين وتدعمهم وتتفاوض باسمهم حتى مع الهيئات الدولية، ولا شك أن الوضع الداخلي، وتطوراته سيكون له ما بعده على هذا المستوى….
لقد كان من سوء الاقتصاد أن أكبر دولتين نفطيتين في شمال إفريقيا،هما ليبيا والجزائر، لم تستطيعا أن تنتقلا سياسيا بالسلاسة نفسها التي كان من المفترض أن يضمنهافائض النفط والغاز، وإذا كانت الجماهيرية قد تفككت بفعل المعطيات المعروفة اليوم، فإن الجزائر التي تعتبر الشلل الديموقراطي بوليصة تأمين للعيش في سلام، تعيش حيرة المستقبل بغير قليل من التوتر، وأحيانا من الارتباك العام،… وعلى دول الجوار أن تدبر هذا الوضع، مع واجب التحفظ إزاء إرادة المواطنين في هذه الدول.
وللموضوع بقية…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 07/03/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *