ساعة الحقيقة : سقط القناع عن… القناع، وُضِع القناع!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

 

لنضع القناع جانبا، ولنناقش القناع.
لنُسْقط القناع، ونضع آخر، بعد أن اتضح أن دفاعنا عن ضرورة استعمال الكمامات لا مفر منه ولا محيد، ونحن نردد، على صفحات هذه الجريدة آراء الذين سبقوا في الوباء..
هنا على صفحتنا الأولى قمنا، منذ قرابة ثلاثة أيام، بإعلان رأي الخبير الصيني، جورج غاو الذي تابع موضوع الوباء في مهده بالصين، باعتباره المدير العام للمركز الصيني، للوقاية من الأمراض والأوبئة، وهو مركز من قرابة 2000 موظف، موزعين بالتحديد على خمسة مراكز لمكافحة الأمراض والأوبئة في الصين غاو إضافة إلى عمله هذا، لايزال نشيطا كطبيب وعالم فيروسات، فقد أشرف رفقة فريق من العلماء الصينيين، خلال شهر يناير، على عزل ومتابعة فيروس سارس­كوف 2 أو فيروس كورونا 2، باعتباره متلازمة للتنفس لها آثارها الوخيمة على الجهاز التنفسي السيد كورونا في الصين صرخ قائلا إن تجنب ارتداء القناع الواقي، في مواجهة انتشار الفيروس المستجد، هو أكبر خطأ قد يقع المرء فيه…
منه أدركنا أننا على صواب في مستهل العلاج، عندما كشف لنا ما قام به، وسارعنا إليه، أي تلك الجهود الصينية القاضية بالاستعانة بالبنية الصحية الموجودة ونخص بالذكر كلا من الأطباء المتخصصين، والممرضين وأطقم الإنعاش الطبي، كحاجز أولي وضروري للتصدي للفيروس التاجي..
غير أننا لم نسمع رأيه حول الكمامات، والذي نشره قبل أن نترجمه بأسابيع ونعتقد بأن المسؤولين يطلعون أكثر على مستجدات رجل مثله..
وهنا أيضا كتبنا أن العاملين في الميدان، من مهنيي الصحة أساسا، يطالبون بتعميمها..
كان الرأي الرسمي في الجهاز التنفيذي منذ 14 مارس وإلى حدود الأمس، هو وضع القضية موضع تفكير وتقدير وتفكير مرة أخرى.. إلى أن ظهر أن الأمر بديهي وأن البداهة، أحيانا، تعمي العين.
فكان، أولا أن تقررت إجبارية الكمامة، ومن ضبط بدونها يستحق العقوبة والغرامة أو هما معا.
حالا وعينا، بدون مراعاة فترة التدبر، إذ أن القرار الإجباري تزامن مع القرار العقابي، بيه فيه. شن الطن، كما لو أن المغاربة كانوا يملكون الكمامات وأن العصيان هو فقط في وضعها وليس في امتلاكها.
ثانيا تحدث السيد رئيس الحكومة، يوم الاثنين بالرباط، طويلا، عن الوضع الذي نعيشه في البلاد، وتحدث أيضا عن وصول المغرب منعطفا حاسما في مواجهة جائحة الفيروس، غير أنه هوَّن من التطورات الصعبة، وأخبرنا بأن تطور الحالات مازال متوسطا..
وبدون أن نسأل عن المنطق الذي يجعل البلاد تدخل منعطفا حاسما، وهي ما زالت في طور المتوسط، لا يمكن إغفال أن السيد رئيس الحكومة أغفل، بوعي في ما يبدو، الحديث عن الكمامات، وتطور حالات التعامل معها منذ البداية.
ليس الوقت وقت تسجيل مواقف، أو تسجيل انتقادات، كما سبق أن كتبنا، فالاحترام الواجب اليوم للبلاد، وللضحايا وللعاملين ليل نهار في الميدان.. إلخ، كل هذا يستوجب لباقة مُتَّقدة تمنعنا من ذلك ، بل تمنعنا حتى من استخلاص الدروس.
بيد أن استشراف المستقبل يفرض أن نخرج من دوامة اللغة المسطحة، وتركيب سياسة قوية في موضوع رهيب للغاية.
واستسهال الحديث في الموضوع، ما زال هو الطاغي، رغم أن الميدان يثبت مؤشرات صعبة للغاية..
لننظر إلى الكمامات منذ بدأ العالم يعيش الجائحة، والصورة العامة في كل بلدان العالم، هي صورة أناس تمشي وتشتغل وتجلس وتقف بكمامات، وكان لنا وحدنا القول الحاسم، بالنفي في جدواها في الوقت الذي كان الجميع يرى أنها التعبير المباشر عن وجود وباء خطير.
كانت الكمامات هي الدليل على وجود فيروس تائه في الطبيعة. لا مرئي ولا يرى بالعين المجردة ويُستنشق ولا يُشم ويعْلَق باليد ولا يُلمس.. كما يكون المصباح دليل وجود على الكهرباء.. ورغم وجود هذا الدليل كنا وحدنا نملك الرأي القاطع، على طريقة فقهائنا الأجلاء، بأنه لا حاجة لنا بها..
كان شعارنا الضمني. هذا لا يقع سوى للآخرين، أما نحن، فلن يصيبنا سوى ما سيصيبنا.. بالكمامات أم بدونها.
كان من المفيد أن يقدم السيد الرئيس موقفا مما تقدم، لا تبرير فيه ولا تقريع، لا سيما عندما سجل أن الكثير من المقاولات الصغرى والمتوسطة تقدمت بمقترحات في هذا الإطار اعتمدتها الحكومة ودعمتها للتكيف مع احتياجات الوطن في هذه الظرفية، مشيرا، على سبيل المثال، إلى أن عددا من مصانع النسيج ستنتج ما يعادل 2،5 مليون كمامة يوميا..
المهنيون كانوا ينادون بارتدائها منذ البداية، باستثناء الطبيب المسؤول عن الحكومة في التدبير، كان ينصت لتقدير خاص.
وقد أوصى بها خبراء مغاربة لعموم المواطنين، خاصة خلال هذه الفترة النشطة لانتشار فيروس كوفيد­19. لدى الأشخاص حاملي الفيروس دون أن تظهر عليهم أعراض ولم يخضعوا لتحليل مخبري.
العديد من الهيئات العلمية والحكومية من دول في أوروبا وآسيا والولايات المتحدة الأمريكية توصي أو تلزم السكان الذين يرتادون الأماكن العامة بارتداء كمامة أو قماش يغطي الأنف والفم والذقن..
الآن دخلنا مرحلة لم تعد الكمامات تكفي لوحدها، كما قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس ادهانوم غيبريسوس، فهي يجب ألا تستخدم إلا في إطار حزمة إجراءات وقائية أخرى، مضيفا لا يوجد جواب حاسم وما من حل سحري، الكمامات لوحدها لا يمكنها وقف تفشي كوفيد ­19..
هل سقطنا في ما حذرنا منه، أي الانتقاد والمعاتبة؟
أبدا ليس ذلك ما نريد بل هي توطئة لكي نتساءل ما هي الإجراءات الأخرى التي ما زلنا نهملها إلى حد الساعة أو نراهن على ثورة ما تُحدِث المعجزة؟
ربما نكون متأخرين بمعركة، في هذه الحرب، هي معركة تعميم الاختبارات السريعة أو تعميم الاختبارات، وكيفية استقبال ما نكتشفه؟
ربما نكون متأخرين في تأهيل الأطر التمريضية، والتي علينا أن نعلن حولها نقاشا لتدارس النقص العام، ونحن نخلد اليوم العالمي لهن ولهم، وربما يكون الوقت مناسبا للإعلان عن تكوين مركز استعجالي لتخريج فوج قادر على التعامل مع الموضوع الذي نعيشه ونعيش ترقباته..
ربما هو فعل الحالة العامة الموشومة بالتوجس والخوف، لكن هناك مع ذلك شعور بأن هناك استسهالا قد ندفع ثمنه، لا قدر لله، وعليه يتوجب علينا أن ندخل الباب الذي فتحه ملك البلاد، باب الاستباقية والمبادرة الكبرى..
أحيانا يكون لدينا هذا الشعور في القضايا العادية وفي الزمن العادي، ونتعايش معه أو نسوغه، ولكن لا يمكن القبول به في الزمن الاستثنائي..
فإذا فتح ملك البلاد بابا، فلا بد من أن تدخله المسؤوليات كلها..
ربما إن هشاشتنا أكبر من تقدير حكومي هنا أو تقدير قطاعي هناك لكن المرحلة الثالثة ­لا قدر لها إن وقعت ­ لا تنتظر أن نصلها، بل يجب ان تجدنا مستعدين لها..
ولله المعين..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 08/04/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *