عقد اجتماعي وليس ميزان قوة مقنَّع! 2/2

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

ربط الخطاب الملكي، في ذكري 20 غشت، بين ميلاد العقد الجديد وبين النموذج التنموي الجديد، وهو بذلك يضعنا أمام معطيين أساسيين:
– النقاش لن ينطلق من فراغ فلسفي أو سوسيولوجي، ويكون علينا فيه أن نختار بين العقد الاجتماعي كما رسمه هوبز (الإنسان ذئب أخيه الإنسان والناس في حالة حرب دائمة وبالتالي لا بد من الخضوع والخنوع التام للسلطة)، وبين العقد الاجتماعي كما حدده جان لوك (الإنسان في أصله ذو طبيعة هادئة ومنسجمة وذو حرية معقولة يملك قدرة الحفاظ على ذاته وأملاكه والحق في ملكية محدودة تمكنه من الحفاظ على نفسه.) أو روسو (الإنسان طيب بطبيعته وبالتالي فالبحث عن المشترك بين البشر لا يكون إلا خيرا على أساس الحرية والمساواة والإرادة العامة ).
هذه الأشياء لا بد أن مبادئها العامة ترشد من يريد أن يقرأ الخطاب الملكي، فعند الحديث عن مركزية السيادة الشعبية في بناء العقد الاجتماعي الجديد، لا بد من أن نستحضر الخطاب الملكي الذي قال بأن اللجنة الوطنية التي ستتكلف بملف النموذج التنموي الجديد لن تكون حكومة جديدة أو حكومة ثانية، فهو يحفظ للسيادة الشعبية، كما هي في الدستور كمصدر لتعيين الحكومة، بمقتضي أن رئيسها يعين من الحزب الذي تصدر الانتخابات، يحفظ لهذه السيادة مكانتها…
كما هو حال المساواة أيضا..
بيد أن العقد الاجتماعي لا يعني نوعا من الحكومة، بقدر ما هو يتصل بطبيعة المجتمع والدولة التي تعني شعبا في مرحلة ما.
والعيش المشترك في مغرب اليوم هو قاعدة العقد الاجتماعي الذي سيعطي معنى وميلادا للمجتمع الجديد .
– نحن لا ننطلق من نقاش عن كيفية الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع الذي كان وراء هذا العقد في النقاشات السابقة، بل إن الانطلاقة هي من نموذج تنموي جديد يحل محل آخر قديم أبان عن حدوده في توزيع الثروة على المواطنين وحرمان الآخرين منها….
والعقد الاجتماعي يقر مبدأ اقتسام الخسارة والربح، واقتسام الثروة كما اقتسام الندرة..
ومن هنا لا يمكن أن نعفي أنفسنا من استحضار ما قاله الملك في كل خطاباته الأخيرة، عندما سأل أين الثروة، وعندما سأل لماذا لا يستفيد الجميع من مكتسبات ما تم إنجازه وما الذي ينقصنا؟
وعندما أعرب عن الألم من وجود فئات محرومة وعلى حافات الفقر الشنيعة، وعندما استحضر الحرمان من الحياة وتعطيل ما لا يعطل أي الحياة نفسها، في موضوع بطالة الشباب والمدرسة العمومية وغير ذلك من الأسئلة التي كانت تبحث عن إطار يضمها ويعطيها أجوبة…
نحن أمام ثقافة، تعطي للدولة معنى تعاقديا، ويكون من الطبيعي أن يكون المواطن في قلب الدعوة الجديدة، باعتباره إنسانا عاقلا وذكيا وأخلاقيا ومهتما ومنخرطا …
لا تسير المجتمعات التي يحكمها عقد اجتماعي سيرا عشوائيا وبلا بوصلة، بل نتيجة تفكير معقلن وعلى قاعدة مبادئ مقتسمة…
وبما أن النقاش الذي سيسود حول النموذج التنموي سيكون هو قاعدة العقد الاجتماعي فإنه سيضم كل أطياف التفكير والعلاقات الموجودة، اقتصادية وإنتاجية وسياسية ومجتمعية، وسيكون من الخطأ أن يفهم من ذلك أن العقد الاجتماعي هو نوع من توازن القوة المقنع، يحصل فيه الطرف القوي، باطرونا أو لوبيات أو تكتلات مهنية، على أكبر التنازلات!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 23/08/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *