في‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬التقليص‭ ‬الحكومي

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لم‭ ‬يعد‭ ‬سرا‭ ‬أن‭ ‬انتظارات‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬والمتتبعين،‭ ‬الذين‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬الشأن‭ ‬التنفيذي‭ ‬يهمهم‭ ‬عن‭ ‬كثب،‭ ‬تتوقع‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مناسبة‭ ‬التعديل‭ ‬الحكومي،‭ ‬مناسبة‭ ‬أيضا‭ ‬لتقليص‭ ‬عدد‭ ‬الوزارات‭…‬

لم‭ ‬يستسغ‭ ‬كثيرون،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬جهة‭ ‬التضخم‭ ‬العددي‭ ‬للوزارات،‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الحكومة‭ ‬بعددها‭ ‬الحالي‭ ‬الكبير،‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬منذورة‭ ‬للتقشف‭ ‬والفاعلية،‭ ‬والتناسب‭ ‬الممكن‭ ‬والمحبذ‭ ‬مع‭ ‬ساكنة‭ ‬البلاد‭.‬
عادة‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬مقارنة‭ ‬التضخم‭ ‬الحكومي‭ ‬المغربي،‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬غربية‭ ‬وأخرى‭ ‬آسيوية‭ ‬اختارت‭ ‬هندسة‭ ‬حكومية‭ ‬توفر‭ ‬عليها‭ ‬المناصب‭ ‬العددية‭ ‬الكبيرة،‭ ‬يساق‭ ‬النموذج‭ ‬الفرنسي‭ ‬بالقرب‭ ‬منا،‭ ‬كما‭ ‬يساق‭ ‬النموذج‭ ‬الصيني‭ ‬بعيدا‭ ‬عنا‭.‬
في‭ ‬التجربة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬تضم‭ ‬حكومة‭ ‬المرحلة،‭ ‬منذ‭ ‬مجيء‭ ‬ماكرون‭ ‬رئيسا،‭ ‬16‭ ‬ وزيرا‭ ‬و5‭‬ وزراء‭ ‬منتدبين،‭ ‬لا‭ ‬غير‭…‬
في‭ ‬الصين‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬أمام‭ ‬30‭ ‬وزيرا،‭ ‬مع‭ ‬نواب‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬ووزراء‭ ‬الدولة‮-‬‭ ‬مستشارو‭ ‬الدولة‭.‬
ويضاف‭ ‬إليهم،‭ ‬مدير‭ ‬البنك‭ ‬الشعبي‭ ‬الصيني‭ ‬والمديرة‭ ‬العامة‭ ‬للمكتب‭ ‬الوطني‭ ‬للافتحاصَ‭ .‬‮…‬
‭ (1‬في‭ ‬بلادنا،‭ ‬ستكون‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬العددية‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬خطوة‭ ‬إيجابية،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬سينظر‭ ‬إليها‭ ‬كإشارة‭ ‬جديدة،‭ ‬تروم‭ ‬الفاعلية‭ ‬والتشقف،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬حكومي‭ ‬بلغت‭ ‬فيه‭ ‬نسبة‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬نفقات‭ ‬التسيير‭ ‬الحكومية‭ ‬16% ،‭‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬فرملة‭ ‬للترشيد،‭ ‬ومصاريف‭ ‬لا‭ ‬جدوى‭ ‬منها،‭ ‬يمكن‭ ‬توظيفها‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والذي‭ ‬يشكل‭ ‬الهاجس‭ ‬المركزي ‬للمرحلة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬أعلن‭ ‬عنها‭ ‬ملك‭ ‬البلاد،‭ ‬بإلحاح‭ ‬شديد‮..‬
2) ‬ما‭ ‬من‭ ‬شك،‭ ‬أن‭ ‬الترتيب‭ ‬العددي‭ ‬للحكومة‭ ‬القادمة‭ ‬سيأتي‭ ‬بكوكبة‭ ‬من‭ ‬التبعات‭ ‬السياسية،‭ ‬على‭ ‬الشركاء‭ ‬وأصحاب‭ ‬القرار،‭ ‬أن‭ ‬يرتبوا‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬ترتيبه،‭ ‬سياسيا‭ ‬عنها‮…‬‭.‬
‭ ‬الذي‭ ‬يرافع‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التقليص،‭ ‬هو‭ ‬الهيكلة‭ ‬الجديدة‭ ‬للدولة‭ ‬وأذرعها،‭ ‬ومنها‭ ‬قضية‭ ‬اللاتمركز‭ ‬الإداري‭.‬
فهذا‭ ‬المسلسل‭ ‬الذي‭ ‬انطلق‭ ‬فعليا‭ ‬بالمرسوم‭ ‬بكتابة‭ ‬ميثاق‭ ‬حول‭ ‬اللاتمركز،‭ ‬سيحيل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصلاحيات‭ ‬إلى‭ ‬الجهات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيجعل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الوزارات،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬ستفرغ‭ ‬من‭ ‬مركزية‭ ‬القرار،‭ ‬غير‭ ‬ذات‭ ‬معنى،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الهندسة‭ ‬الحكومية‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬الوزارات‭ ‬مندمجة‭ ‬والأقطاب‭ ‬هي‭ ‬الحل،‭ ‬والتي‭ ‬ستتكلف‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬استراتيجي‭ ‬في‭ ‬صيغته‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬اللاممركزة‭.‬
3) ‬الجهوية‭ ‬بدورها‭ ‬صارت‭ ‬تفرض‭ ‬تشكيلا‭ ‬آخر‭ ‬للهندسة‭ ‬الحكومية،‭ ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬الإشكال‭ ‬الترابي،‭ ‬باعتبار‭ ‬الجهوية،‭ ‬تدبيرا‭ ‬ترابيا‭ ‬للدولة،‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المرحلة‭ ‬الجديدة‭…‬
ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتغير‭ ‬هيكلة‭ ‬الدولة‭ ‬وترابها،‭ ‬بدون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لذلك‭ ‬انعكاس‭ ‬في‭ ‬الهيكلة‭ ‬الحكومية،‭ ‬وفي‭ ‬تشكيل‭ ‬الأقطاب‭ ‬التي‭ ‬تساير‭ ‬اللامركزية‭ ‬والجهوية‭ ‬المتقدمة‭…‬
بعض‭ ‬الاختصاصات‭ ‬الذاتية‭ ‬والمنقولة‭ ‬والمقتسمة‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬المركزية‭ ‬والجهات‭ ‬ورؤسائها،‭ ‬أيضا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬استحضارها‭ ‬في‭ ‬مناقشة‭ ‬هيكلة‭ ‬الحكومة‭ ‬باتجاه‭ ‬تقليص‭ ‬المقاعد‭ ‬الوزارية‭…‬
4) ‬بعض‭ ‬القطاعات‭ ‬الوزارية‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الحكامة‭ ‬المتجاوزة،‭ ‬إذ‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬القطاعات‭ ‬متعددة‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬واحد‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الماء‭ ‬أو‭ ‬غيره،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفرض‭ ‬تجميع‭ ‬الوزارات‭ ‬حول‭ ‬قطاع‭ ‬واحد،‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر،‭ ‬صارت‭ ‬له‭ ‬مؤسسات‭ ‬حكامة،‭ ‬دستوريا‭ ‬ذات‭ ‬حضور‭ ‬أفقي‭ ‬يتجاوز‭ ‬المنصب ‬الوزاري،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفرض‭ ‬إلغاءها‭ ‬أو‭ ‬تحويل‭ ‬طبيعتها‭ ‬الوزارية‭…‬
5) ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬طبيعة‭ ‬العناصر‭ ‬التي‭ ‬أعلن‭ ‬عنها‭ ‬ملك‭ ‬البلاد،‭ ‬بخصوص‭ ‬مشاريع‭ ‬المرحلة‭ ‬الجديدة‭ ‬ومقوماتها،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للنظر‭ ‬في‭ ‬مقومات‭ ‬المشاريع‭ ‬الجديدة،‭ ‬ولاسيما‭ ‬البعد‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬من‭ ‬تقدير‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬الذي‭ ‬ساد‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الساعة،‭ ‬فمثلا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬برامج‭ ‬الحماية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬‮-‬‭ ‬أحد‭ ‬الخطب‭ ‬السامية‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬100‭ ‬برنامج‭ ‬بملايير‭ ‬الدراهم‭ ‬‮-‬‭ ‬بدون‭ ‬تأطير‭ ‬مؤسساتي‭ ‬جامع‭.‬
في‭ ‬الصين‭ ‬هناك‭ ‬مدير‭ ‬البنك‭ ‬الشعبي‭ ‬ضمن‭ ‬تشكيلة‭ ‬الحكومة،‭ ‬ألا‭ ‬يجدر‭ ‬بنا‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬بنك‭ ‬وطني‭ ‬للحماية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬يجمع‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المبالغ‭ ‬ويكون‭ ‬بنية‭ ‬إلتقائية،‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تعالج‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬بفعالية‭ ‬أكبر،‭ ‬وبتصور‭ ‬مندمج أكثر‭ ‬سلاسة‭ ‬وقوة؟
سؤال‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬باعتبار‭ ‬ملك‭ ‬البلاد‭ ‬وضع‭ ‬المسألة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬نقطة‭ ‬مركزية‮…‬‭.‬
إن‭ ‬التقليص‭ ‬بكل‭ ‬أنواعه‭ ‬مسألة‭ ‬جوهرية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعمل‭ ‬الحكومي‭ ‬المقبل،‭ ‬لإعطاء‭ ‬إشارات‭ ‬قوية‭ ‬حول‭ ‬المراد‭ ‬من‭ ‬التعديل‭ ‬الذي‭ ‬نحن‭ ‬بصدد‭ ‬تفاصيله،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أنه‭ ‬سيؤثر‭ ‬في‭ ‬قناعات‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬يطبع‭ ‬إدراكه‭ ‬بطبيعة‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬تفصلنا‭ ‬عن‭ ‬استحقاقات‭ ‬2021‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬يليها‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬سياسية‭ ‬قادمة‮…‬‭.‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 04/09/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *