قراءة في الحدث الإيراني…

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

 

تسارع الأنظمة التي تشعر بضيق التنفس إلى تحويل التناقض بينها وبين المواطنين، وهو أمر طبيعي في كل تاريخ السياسة والدولة، إلى تناقض بين المواطنين .. والمواطنين.
وهذا الميل نحو تحويل الغضب من موقف، من لحظة سياسية إلى لحظة تخترق المجتمع، شاهدناه، في اليومين الماضيين، عندما أخرجت الدولة الإيرانية حشود مواطنيها إلى الشارع للدفاع والتعبيرعن الدعم والمساندة الخ..
في الحقيقة تلك طريقة لتأبيد الصراع وإعطائه أبعادا رهيبة للغاية، قد تغير من طبيعة شبكة قراءة الأحداث التي هزت البلاد.
في التقدير العام، كانت القراءات الأكثر موضوعية تربط بين الدوافع الاقتصادية المحضة في تأجيج غضب الشعب الإيراني أو فئات منه، وهو ما يمكن للسيد الرئيس روحاني أو حكومته أن يجد له جدلية اقتصادية بسيطة تحل المعادلة:التراجع عن بعض القرارات مثلا، النظر بمقاربة أخرى إلى رفع أسعار البنزين، إعادة جدولة الميزانية بما يجعل الأولوية للشأن الداخلي الخ..
غير أن إخراج الحشود إلى الشارع يجعل من التناقض مسألة دائمة في الزمن وفي الذاكرة.
هناك من هو مع، يتهم من هو ضد، بالخيانة والعمالة والتجاوب مع الأجندات السياسية….
من المحقق أن الحكومة الإيرانية اجتهدت من منظور الرد على الرئيس الأمريكي وبلاده، وجيوشه من الإعلاميين، الذين تدخلوا بشكل واضح ومفضوح.. وأن تتبنى أمريكا أية احتجاجات لا يمكن أن تسعف الغاضبين في الدفاع عن مشروعيتهم، بقدر ما يشكل هدية كبيرة للملالي لكي يخونوا أي مشارك أو مطالب بالتغيير..إنه باب خلفي تفتحه أمريكا بشعور راحة أو ضمنا لكي تستغله الحكومة في تخوين الحركة الاجتماعية، والملاحظ أن روحاني الذي تفهم بشكل عقلاني مطالب الغاضبين واعتبر بأنه مطالب بالتعامل الناضج معها، توارى ليترك للمرشد و”الباسيج”، حراس الثورة، تأويل الواقع لفائدة أطروحة المؤامرة.. وسيجد، ولا شك، تجاوبا ما نظرا للعداء المستفحل بين أمريكا وإيران.
1- أمريكا هي التي تقف وراء الحصار الذي طال البلاد، منذ عقد أو أكثر، وهي التي رافعت ضد الاتفاق النووي مع إيران، والذي بموجبه سيسقط البند الصعب في الحصار المفروض على بلاد الملالي..وواشنطن من هذا المنطلق تخدم تصورها الجيو استراتيجي أكثر مما تخدم مطالب الشعب الإيراني، الذي خرج ضد انعكاسات هذا الحصار بالذات.
فهي، من زاوية معالجتها العدوة، تستعمل الحركية الحالية كمكمل للحصار، أي الحراك لدعم الحصار، وبالتالي تأجيج الوضع الذي ساهمت في خلقه!
2- القراءة الدولية لا تتفق مع المسعى الاستراتيجي الأمريكي للوضع، فالأوروبيون التزموا الحذر والحيطة، والحوا على مقاربة حقيقية تحترم الحق في الغضب، وأيضا دعوا في المقابل إلى حوار عقلاني، ومن ذلك أن وزيرة الخارجية الأوروبية فيديريكا موغريني قلقت من “الخسائر غير المقبولة في الأرواح” داعية “جميع الأطراف المعنية” إلى الامتناع عن “أي عمل عنف”. والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عبر لنظيره الإيراني حسن روحاني عن “القلق” وناشده “ضبط النفس والتهدئة”.
وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون قال إن »المملكة المتحدة تراقب بانتباه الأحداث في إيران«، برلين دعت إلى “احترام حرية التجمع والتعبير” وحثت النظام على الرد “بالحوار «…” وهو موقف يمتح من القاموس الدبلوماسي أكثر مما يلجأ إلى القاموس الحربي العسكري الذي تبنته أمريكا..
3- ساعدت المواقف الأمريكية الدولة الإيرانية نفسها على تجيير المواقف وتغيير طبيعتها وإدراجها ضمن «خانة التخوين»، وامتدادا للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.. كما أن من شأن التدخل الأمريكي أن يقوي من التشدد الأمني،
في هذا السياق يحسن قراءة ما نقل عن اريان طبطبائي من جامعة جورج طاون:كما حدث في 2009، حاول المتشددون أن يصوروا المحتجين المتظاهرين كعملاء للخارج. وإذا ما تأكد تورط واشنطن كمتدخل نشيط في الشؤون الإيرانية، فذلك سيثني الإيرانيين عن الالتحاق بالحركة، على أحسن تقدير، وفي أسوأ تقدير سيقوي هذا المتشددين ويضعف المتظاهرين ويسهل القمع»…!
4- الثورة الحديثة لها من مواصفات اسمها هشاشة البيض. فالذين سموها “ثورة البيض”، يحيلون علي رفع أثمنة هذه المادة الضرورية للأغلبية في المدن الهامشية، قبل الرئيسية…، وسرعان ما بدأت مقارنتها بأحداث 2009، وهي صاحبت الاحتجاج على انتخاب أحمدي نجاد الذي اتهم بتزوير النتائج..غير أن الأحداث وقتها لم تدفع الرئيس أوباما إلى التصريح أو الدعم..المباشر، لارتباط ذلك مع قنوات شبه رسمية حول الاتفاق النووي، وهي قضية قديمة الآن..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 06/01/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *