لانمارس السياسة للدخول إلى الجنة، بل لكي لا تكون حياة الناس جحيما!!…

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

إن التردد باستمرار بين فقه الشرع والديموقراطية في ضمان الحقوق الفردية، والذي ظهر في العديد من مبررات النقاش الدائر حاليا، ولدى العديد من صناع الإسلام السياسي، يبين في الواقع ترددا أكبر وأعمق بين القول بالفعل البشري في السياسة أو رفعها إلى مصاف اللاهوت….

وهنا لا يمكن أن نستظل بالفقه في السياسة وبالديموقراطية والقيم الكونية في الاستمتاع بالذات، وفي حسن استغلال الجسد والاستفادة من امتيازات النظام السياسي الذي نقول عنه إن الفساد فيه أسلوب حكم! …
يمكن القول إن الحرية الفردية – كما قالها سيغموند فرويد – ليست منتوجا ثقافيا، نضيف إنها ليست منتوجا سياسيا أيضا، يمكن استحضاره كلما كان هناك جدل على التموقعات السياسية ..
ولكي لا يكون كذلك لابد من إبعاده عن دائرة الاستخدام النفعي المباشر.…
نقول أيضا إن قاعدة الإسلام السياسي هي الدعوة…، كما أن الدعوة قد بالغت في تنزيه أفعال السياسي من خلال نماذج الصحابة والحكام الراشدين(عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز )، وعندما واجهت السياسة في عنفوانه الإنساني النسبي، تحطم المطلق وانتصرت النسبية…
وعلى ذكر الصحابة، عليهم رضوان لله، لقد تجرأت بعض العقول الحديثة للإسلام السياسي على نفسها، في تنسيب قدسيتهم وتمكينهم من حقهم الإنساني الذي سلبتهم إياه الأسطورة..
ففي كتاب الشنقيطي، نقرأ مقدمتين لكل من يوسف القرضاوي ورشيد الغنوشي، يقبلان فيها بكون الحياة التي عاشها الصحابة لم تخل من صراعات سياسية، بل إن الكتاب عنوانه «الصراعات السياسية عند الصحابة…»، وما كان لهكذا تفكير أن يكون لو لم يسلِّم أصحابه بنسبية البشر، ولو كانوا من الرسل والصحابة..
ولولا الأضواء التي سلطتها الذهنية الحديثة على القديمة..
هنا علينا أن نذهب من الحداثة إلى التراث، لتأزيمه بما نفعله ولا أن يؤزمنا بما نتخيل أنه كان ذهبيا في الماضي… .
بعد الحرية الفردية، البعد التاريخي للسياسة.…
لقد اعتقد جيل أو جيلان من الإسلام السياسي بأن إلغاء التاريخ بتسييس الدين، يمكن أن يشكل مستقبلا ممكنا للديموقراطية..
لكن كان على أصحاب هذه القناعة أن يقبلوا بما هو أبعد،
أي عليهم أن يقبلوا بثلاث مسلمات:
– الأولى، مفادها أن التاريخ قال كلمته وانتهى.
والحال أن التاريخ ما زال يتجول فوق الأرض، يمارس وظيفته كما اعتادها..وليس فقط في كتب المؤرخين وفي جدليات الفلاسفة….
– الثانية، مفادها أن النقاش حول لقاء الدين بالسياسة ذو حدين،
ولابد من الجواب عن السؤال المركب : هل المطلوب هو قبول الديموقراطية وملاءمتها بالدين السياسي أم الدين السياسي عليه القبول بالديموقراطية؟
ولكل مبتدأ في السؤال خبر في الجواب وفي ما تتحمله القناعات من بعد….
– الثالثة، التسليم بأننا تعبنا من استلهام القوانين العامة في السياسة
وأننا نبحث عن قوانين في القوقعة الهوياتية، أونستعطف تجربة الشعوب عندما نعجز..
وهذه هي الحالة التوفيقية التي نتعب كأفراد وكجماعات في ممارستها باستعصاءات ثقيلة، وأحيانا بتناقضات سقراطية لا معنى لها اليوم في العصر الحديث.…
خلاصة القول: نحن طبعا لا نمارس السياسة من أجل أن ندخل الجنة،
بل لكي لا تصبح حياة الناس جحيما!
وهذا ما كان، كما قال عبد الرحيم بوعبيد رحمه لله!
(انتهى)

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 26/01/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *