لماذا لا نجرب الوطنية الأمنية patriotisme sécuritaire في فهم المغرب الجديد؟ 3 –

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

 الحكامة الأمنية ومجلسها الأعلى: نضج ينتظر الترسيم

تكاد بلادنا تستكمل الهندسة الدستورية التي أرادها ملك البلاد، بعد حوار وطني واسع وغير مسبوق حول التعديل الدستوري الكبير في2011…
وبالتصويت والإجماع الحاصلين حول مشروع القانون المتعلق بالمجلس الوطني للثقافة واللغات، وقبله مجلس الشباب والعمل الجمعوي. وفي النقاش الدائر حول مجلس المناصفة، الذي ينتظر النور بدوره، يكون المجلس الذي ينتظر الخروج إلى الوجود، هو المجلس الأعلى للأمن.
وقد ورد هذا المجلس ضمن هندسة الباب الثالث المتعلق بالملكية وموقعها الدستوري، كما أنه ترتيب يقع بين القيادة العليا للقوات المسلحة والديبلوماسية، باعتبارهما مجالين سياديين بلا منازع أو لبس أو تأويل..
والفصل 54 المتعلق بالمجلس الأعلى للأمن، ينص على أنه» يُحدث مجلس أعلى للأمن، بصفته هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة. يرأس الملك هذا المجلس، وله أن يفوض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع لهذا المجلس، على أساس جدول أعمال محدد.
يضم المجلس الأعلى للأمن في تركيبته، علاوة على رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الوزراء المكلفين بالداخلية، والشؤون الخارجية، والعدل، وإدارة الدفاع الوطني، وكذا المسؤولين عن الإدارات الأمنية، وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية، وكل شخصية أخرى يُعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس. ويحدد نظام داخلي للمجلس قواعد تنظيمه وتسييره..
وواضح أن التنصيص الدستوري يجعل له قواعد وخصوصيات ليست كالتي تحددت للمجالس الأخرى للحكامة، والتي رأت النور في إطار تفعيل المشروع الوطني الكبير لدسترة الحياة الوطنية منذ يوليوز 2001، تاريخ التصويت الساحق على نص الوثيقة.
والواضح اليوم أن شروط الحكامة المعنية، في جانبها العملي قد بلغت درجة عليا من الإتقان والاعتراف الدولي، بتجاوبها مع المعايير المعترف بها دوليا، ولعل أبرزعناوين ذلك:
– الإقرارالدولي بالقدرة الأمنية المغربية، قاريا ودوليا على تدبير ملفات شائكة وخطيرة من قبيل الإرهاب، والجريمة المنظمة،
– التكريس المؤسساتي الدولي، من خلال تنسيقية محاربة الإرهاب النووي، بمظلة دولية، روسية أمريكية مشتركة، والنضج الحاصل في الشرط الداخلي لموقع الأمن الوطني، بكل تركيباته في تدبير التطور الذاتي، وفي الشرط الداخلي، لا بد من الإقرار الشجاع بأن كثيرا من الاستعصاءات الاجتماعية والسياسية، قد وجدت حلها في إطار القرار الأمني، الذي كما هو الحال في ملفات ساخنة، تكبد فيها الأمن تضحيات وأيضا مجهودات، كانت سببا وراء طرح أسئلة عميقة حول الوساطة الاجتماعية وأدوار المجتمع السياسي والمدني وبكل مركباته: الحزبية، النقابية الجمعوية والتنسيقية..
ومن الواضح أن الإرادة الملكية، التي دسترت توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة من جهة، والرامية إلى الرفع من درجة التنظيم العقلاني لكل أدوات الدولة، وتغيير طبيعتها ونوعية انخراطها، وكذا تأهيل البناء الدستوري بما يجيب عن متطلبات المرحلة، متوفرة لاستكمال ما تبقى من هذا المجهود الوطني، ولا سيما في الشرطية الوطنية، التي نعرفها، وتقلبات الشرط الإقليمي، الذي تتقلب معطياته بتقلبات الأوضاع في دول الجوار (ليبيا، الجزائر، ودول الساحل وجنوب الصحراء)..
لا يحتاج إلى مرافعة أكثر من التصديق الملكي على مشروعية هذا البناء، من خلال دسترته، ولعل البلاد تقدر شرطية إعلان وجوده، مما يعطي البلاد للأمن
مؤسساته الدستورية الاستشارية، التي تساير قوته الواقعية وتطورأداءه الإقليمي والدولي..
فالاستكمال المؤسساتي للهندسة الدستورية المجمع حوله ، يجعل أن الفصل 54 قد عرفنا على كل أوصاف المولود: الوزن، الصحة الجيدة، الملامح السليمة والمقومات المصاحبة، وعليه ننتظرالعقيقة فقط لإطلاق الإسم!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 15/06/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *