ما الذي لا يحدث في المغرب؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

سألني صديقي الأجنبي: قل لي ما الذي يحدث في المغرب؟ وبدا واضحا أن فيض الأحداث تجاوز أي صحافي متتبع السقف المسموح به لتخزين المعطيات. وبدا كذلك أن السؤال، في حد ذاته، يحتمل الجواب بأن أشياء كثيرة تتجاوز الإدراك، وتثير غير قليل من الحيرة. أجبته: يا صديقي. السؤال الحقيقي الذي يليق بنا هو: قل لي، ما الذي لا يحدث في المغرب الأقصى؟ وأضفت، تابع معي:

منذ شهر، ونحن نعيش على إيقاع ما ستفرزه مناقشات مجلس الأمن حول الصحراء المغربية. وقد سلخنا عقودا ونحن نعيش على “تردّد إبريل” خارج قصيدة الكبير محمود درويش في تمجيد أسخيليوس. وفي كل بلاد العالم، عندما تكون قضية الحدود مطروحة تتوقف العجلات، زمنية كانت أو سياسية، ولا شيء يحدث إلا ما يتعلق بالتراب. وقد سمعنا همس الطبول أول مرة منذ 1991. ونطق السفير الدائم للمغرب بالكلمة، وهو يتحدث عن تحرشاتٍ مسلحة وغير مسلحة في المناطق العازلة من الصحراء، والتي يشملها وقف إطلاق النار.
وحدث، لأول مرة يا صديقي، أن تأجل التصويت على قرار أممي بشأن الصحراء، وتباينت المقاربات بين شرق صاعد من غبار الاشتراكية في الصين وروسيا، وغرب عاصف بين يدي دونالد ترامب.
وفي العالم المعولم، وجد الرئيس ترامب وقتا، ما بين الهجوم على إيران والجواب عن ممثلة الأفلام الإباحية، دانيالز ستورمي، وفرض الإجراءات الحمائية على حلفائه، لحظة لتهديدنا، وتهديد من يساندنا إن هم أو نحن حلمنا بتنظيم كأس العالم.
وترامب زادنا من فهلوته النووية، إذ اعتبر أن الحلم ذاك اعتداء على أمريكا، وتجديف في حقها الإلهي المسلح في تنظيم العالم، كأسا كأسا، ومونديالا تلو مودنيال. ولم يُخْف أنه لن يساعد الدول التي تساعدنا، حتى تحت قبة الأمم المتحدة.
ونحن، يا صديقي، عرضة لمزاج الاستراتيجية، كلما تداعت حلب، أو نسجت عناكيب الدم ظلالها في اليمن. ويحدث أن تهددنا إيران، إذا هي شاءت، ويهددنا الحزب الذي صفقنا له في حربه الوطنية في جنوب لبنان، إذا نحن حلمنا بجنوب عصي علينا جميعا..
ويحمل الأسلحة إلى حيث اللاجئون من إخواننا في الصحراء، لكي يضربونناـ كما لو أن موقعة صفين وقعت في الداخلة، أو الانتقام من موقعة الجمل يتم بقصف العيون.
في المغرب، يا صديقي، حركات احتجاجية غير مسبوقة في تاريخ المنطقة، ولا في تاريخ البلاد نفسها: أقاليم تخرج عن بكرة أبيها، في الريف الأسطوري للبحث عن سبب معقول لموت بائع سمك صغير في طحانة. وفي الشرق، مع خروج آلاف العائلات من مناجمهم إلى .. قاعات المحكمة مباشرة.
في المغرب يحدث أن تتداعى قطاعات واسعة في مقاطعةٍ هي الأولى من نوعها في بلادٍ تعيش بين الحلم الواسع والفقر الواسع بدوره، على خط الطول الذاهب إلى أفريقيا جنوبا، وإلى أوروبا شمالا. ولا يبقى سوى الغبار.
تخرج الطبقات العمالية بكل تلاوينها إلى الشارع، ولكن ما الذي يتبقى؟ هل هي الهزالة في الأجور؟ كلا..
الإضرابات التي تهز قطاعات كثيرة؟ كلا.. تلويحات العمال، وهم يضربون الظهيرة بقبضات اليد الغاضبة؟ كلا..
تراجع السلم الاجتماعي؟ قانون الإضراب؟ كلا: ما يسترعي الانتباه دعوات إلى مقاطعة شركات قوية تحتكر الماء والحليب والتوزيع الوطني للوقود.
وتتغير المعادلة من صراع طبقي يتم بين العمال والبرجوازية الصغرى والدولة ومترفيها الإداريين، ليتحول إلى صراع بين شركات واقعية وقوى افتراضية تعيش هويتها النضالية في “فيسبوك” وينزل تأثيرها قويا على واقعٍ لا تملك فيه شيئا: وتتعدد الاتهامات والاستفهامات: من يقف وراء ذلك: هل هم الإسلاميون الذين غادروا دفة الحكم بدون أن يغادروا دفة الحكومة؟ هل هم البدائل الذين تنكرت لهم مراكز القرار، بعد أن واجهوهم؟ هل أرباب العمل الذين يخافون استحواذ حزب واحد على السياسة والاقتصاد؟ ألف سؤال في لحظةٍ لا تحتمل في الواقع سوى معادلة واحدة.
في المغرب أيضا يحدث ما لا يتصوره صبر. آه صبر منهجي. في المغرب أيضا، يحدث أن تتوالى المحاكمات للغاضبين.
وفي المغرب أضواء أخرى، عالية الرجّات على سلم الزلزال السياسي: إعفاء وزراء ومسؤولين كبار، كما لا يحدث إلا مرة في كل عهد سياسي. في المغرب، يا صديقي، تقول القيادة السياسية في البلاد، بالشجاعة الكافية، إن نموذج التنمية وبناء المواطن قد استنفد، أو فشل، والأفق يتطلب إعادة تعريف الوطنية، على ضوء القيم المؤسسة لها. والإدارة كما عرفتها البلاد عالة، والمراكز المكلفة بالاستثمار عاهة، والحقيقة مرة للغاية.
ما الذي لا يحدث، يا صديقي، وتظل البلاد واقفةً تركب المعادلات بما يجعلها قادرة على المشي، وقد يسعفها الزمان أو لا يسعفها، لكن المؤكد أن الضباب يجر طبقة سياسية بكاملها خارج مدة الصلاحية، يا صديقي.. ولهذا يبدو أن سؤال: ما الذي يحدث؟ لأن يحتمل معناه إلا إذا ما سألنا، ما الذي لا يحدث؟ هي مرحلة تحول كبرى، أو مرجل تاريخي يغلي بالمحتمل، وما ليس في مقدور الفكر الإجابة عنه، لكن تعلمنا أن المجتمعات لا تطرح إلا الأسئلة التي تستطيع الإجابة عنها.. هذا منطلق تفاؤل الإرادة، في الوقت الذي ينحو تشاؤم الفكر نحو التساؤل عن درجة إدراك ما يعتمل في مجتمع تعالى منسوب عجزه النخبوي.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 11/05/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *