مدونة الأسرة لفهم الحكومة!

عبد الحميد جماهري

تذكر أدبيات السبعينيات من القرن الماضي أن الزعيم الكبير علال الفاسي، اغتنم إعلان ميلاد الكتلة الوطنية يوم 26 يوليوز 1970، لكي يتحدث عن «زواج كاثوليكي»، بين حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية..
قالها ممازحا، أمام الحضور الكبير من قيادات الحزبين، اللذين لم يكن قد مضى على فراقهما سوى عقد من الزمن..
وينسب للمرحوم الحسن الثاني قوله إنه يريد أن يعرف من دفع ثمن المهر؟
وهي صيغة فكاهية للحديث عن الأدوار داخل الأسرة الجديدة، أوالزيجة ..من قبل التساهل مع اللغة!
عادت هذه الحكاية، مع فارق الناس والمرحلة، وطبيعة التوافقات السياسية مع حديث سعد الدين العثماني وهو يتكلم عن طي صفحة الخلافات بين حزبه الذي يقود الحكومة وبين حزب الأحرار، بقيادة عزيز أخنوش..
لا داعي لذكر المسلسل برمته، وإن كانت بعض تفاصيله قد تفيد في فهم الملابسات الحالية، لكن الدعابة السياسية لاتحتمل الكثير من التفاصيل..
العثماني تحدث عن الخلاف، الذي طرأ بعد تصريحات الوزير الطالبي العلمي بلغة التهدئة، وصلت إلى حد القول : “مهما تكن من إشكالات بين أعضاء الحكومة فهذا يقع حتى في الأسر”، مشيرا إلى أنه “يمكن للخلافات أن تقع بين الزوجين ورغم ذلك يصطحبان أبناءهما إلى المدرسة، وتظل الأسرة قائمة والبيت في حالة عادية”.
زواج آخر، غير كاثوليكي ولا بروتستانتي، لكنه زواج مغربي على الطريقة الحكومية..
في التشبيه ما يكفي من التلميحات غير المقصودة بالشكل الذي يغني سيغموند فرويد عن أن يكون مغربيا، لكنه في الوقت ذاته يثير بعض التصريحات ذات الحمولة التي تستوجب التفكه:
يتحدث الدكتور سعد الدين العثماني عن «عائلة» سياسية واحدة في الحكومة، والحال أن الأمر بعيد تمام البعد عن ذلك..قد يكون هناك إغراء في حل المشكلة بالطريقة التي تغلب العناق على الفراق، بتذكير وافر مما سبق أن قاله المرحوم عبد اللطيف الفيلالي، الوزير الأول السابق عن العلاقة مع النقابات….
قد يكون في ذلك تصريح بالانتماء إلى الوطن كعائلة للجميع، بدون أن ينحصر الزواج في فردين من أفراد الأسرة..
لكن واقع الأمر يتطلب وجود عائلات متباينة بهذا القدر أو ذاك، بل متنافرة بهذا الحجم أو ذاك ، تختلف في الطبيعة والدرجة
في الفكرة وفي الأسلوب
في التوجه وفي المعنى
كما قد تكون عائلات متقاربة في هذه الرؤية الاقتصادية أو تلك في هذه الأطروحة السياسية أوتلك…، والاستناد إلى الفكر الأسروي في الفهم السياسي هو الذي يجعل الفراق عنيفا عندما يحدث:
حيث لا شيء يؤطر ذلك سوى :
الطلاق
الشقاق
المحكمة
الإرث
النزاع
الورثة..
وهلم جرا وجرجرة..
والحال أن الذي يحكم المرحلة هو توافق سياسي، مبنى أولا:على قراءة مرحلة 2011/2016، بما لها وما عليها.
ثانيا: قراءة الاستعصاء الناجم عن تشكيل الحكومة، والتراتيب الدستورية الذي جاءت به أوالتي نجمت عنه، وفي كلتا الحالتين نحن أمام قراءة دستورية محددة من لدن كافة مكونات الحقل السياسي لما ترتب عن صناديق الاقتراع..
ثالثا: الحد الأدنى من الممكن السياسي، ضمن شبكة قراءة للتطورات التي عرفتها المنطقة برمتها، وكذا مستتبعات ما بعد الربيع العربي وتدبيره وطنيا، وضمن خارطة سيادية للقرار الوطني..
وكلها مفاهيم لا علاقة لها لا بالزواج ولا بالأسرة
وبالعائلات الجالسة على سرر متقابلة..
من المحقق أن الشعور بالعلاقات الودية، بل بالثقة أمر حيوي بل رئيسي في بناء العلاقات السياسية للحكومة، كما أنه جوهر البناء في المراحل التأسيسية للدولة الجديدة،..الأكثر من ذلك أن الثقة السياسية أصبحت شأنا أمميا، تكتب فيه الأمم المتحدة وتفتي ..
ففي إعلان فيينا بشأن بناء الثقة في الحكومة عام 2007، تعرف الأمم المتحدة “الثقة السياسية” بأنها تعبير عن »وجود توافق في الآراء في ما بين أفراد المجتمع حول القيم والأولويات والاختلافات المشتركة، وعلى القبول الضمني للمجتمع الذي يعيشون فيه، كما تشير أيضاً إلى توقعات المواطنين لنمط الحكومة الذي ينبغي أن تكون عليه، وكيف ينبغي للحكومة أن تعمل وتتفاعل مع المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية«….
وهنا مربط الفرس: أين ثقة المواطن في كل خلاف قد يقع، وهو في المحصلة عملية جدية في السياسة، بعيدا عن الأسر والعائلات …؟
لسنا في حاجة إلى الفهم العائلي للسياسة الحكومية أو للمشترك الأسري، فتلك عقبة أخرى في الوضع المغربي، نحن بالأحرى في حاجة إلى فهم سليم للاختلاف لتدبير الاتفاق ..الحاصل على قاعدة برنامج حكومي مشترك!
تستدعي الفكاهة أن نقر بأن العثماني أدخل الخلافات إلى قاموس الأسرة لكي يسهل دخول الفرقاء إلى بيت الحكومة..
بعيدا عن الأنظار
لتصفى الخواطر بالمغربية
ويسهل العناق في انتظار خلاف آخر!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 09/10/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *