موندياليات ذات دروس..

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

ما يجب أن يعلق بمخيلة المسؤولين المغاربة، بعد أن تضع مباريات المونديال أوزارها هو أن المغاربة لم يعودوا يقبلون الفحش في تبذير المال!

سواء كان خاصا أو كان عاما..
بعد أن يعود فريقنا، إلى ملاعبه هنا وهناك، ستظل في ذهننا حوادث رافقت هذا الموعد العالمي،
وسواء ونحن نستعد لكي نحتضنه أو وهو يحضننا في ديار الرفاق القدامى
الطافاريشيون الأفذاذ..
ليس مهما أن نعلل الدرس بوسائل أو أسماء الإيضاح
لكن الذي فاق الترقب الرياضي والرهبة
والأمنيات بالنصر وبالأداء الغني
هو استعراض الثراء الفاحش
أو استعمال أموال الرياضة في تعزير الحظ
والوطنية
والمساندة لأعضاء الفريق..
سيذكر المواطنون
والمؤرخون
ومحللو السياسة أن كرة السوفيات السابق دخلت المنبر البرلماني
..
سيذكرون كلهم أن مآل المال الرياضي العام كان موضوع برقيتين تشريعيتين ونقاش تحت القبة، حيث اضطر البرلمان بغرفتيه إلى إصدار بيان ينفي عن نفسه تهمة تدليل جزء من أعضائه بحضور قمة القمم الرياضية..
وسيذكر التاريخ أن الجامعة، التي ظلت تحت المظل الكبير للدولة بلا حساب، إلى أن رفع ملك البلاد المظلة عنها في رسالته الشهيرة التي عرت واقع الحال، كان عليها أن تبرر مصاريفها في المونديال
واللجوء إلى القضاء حتى في شخص رئيسها دفاعا عن سمعتها..
وسنذكر من كل ماسبق أن المغاربة، شملتهم ريح رافشة لكل مظاهر الفحش البراق..
ورفضوا أن يكون فرحهم، أي مشاركتهم في الرياضة الدولية، سببا في انزياح غير مبرر للنفقات العامة.
وسيكتب أصحاب الاستقصاء القادم
وأصحاب كتاب العبر في الألوفيات الآتية أنه في زمن المقاطعة أعلن المغاربة، وهم يتابعون بفرح حينا وبهيبة أحيانا أخرى السيرة الجماعية لأقدام أبنائهم في سان بطرسبورغ وفي ماسكافا، لم يغفر المغاربة للمسؤولين استعراض احتكارهم الحضور في الملاعب، في زمن اللايكات
وزمن الخاص الافتراضي
وزمن الواتساب الرجيم…
وكان للموضوعية حظها في الحب
وتعالت أصوات كثيرة للدفاع عن التقدير الموضوعي للمجهود الذي يبذل
وللأداءات الجيدة
وللوصول، في ظرف دولي وعربي غير مساعد بالمرة..
سيذكر التاريخ أننا ذهبنا إلى الشرق
ونحن ننافس الغرب
في مونديالين متباعدين
وسيذكر التاريخ أن المغرب وقتها كان في حالة ترهل سياسي فظيع
وحالة قرف
وملل من السلوك ومن المؤسسات
وأن الرياضة مع ذلك حركت شعبا،
ودولة من أجل منافسة روما الحديثة مسنودة بروم وعرب
وأن الفرس تاريخئذ لم يكن يحكمهم الساسانيون
ولم تكن تربطهم رابطة بالمغرب الأدنى والأقصى والغربي…
سيكتب التاريخ أن مغربيا بكى
فدخل التاريخ مباشرة بعد أن دخلت كرته في شباك فريقه
وأن المغاربة صفقوا
كاظمين الغيظ وعافين عنه
وسيذكر التاريخ أن الذين لم ينجحوا في إضحاك جمهورهم في رمضان التلفزيون استطاعوا مع ذلك أن يثيروا غضبهم في عيد موسكو..
غير أن الذي سيكون جوهر الذاكرة القادمة، هو ولا شك الرفض الصريح للمغاربة لكل الذين أفرطوا في الاحتفاء الذاتي في أراضي
القيصر
وبوشكين
ولينين
وتولستوي
ودوستوفسكي
انا اخماتوفا
وبوتر ايليش تشايكوفسكي..
وقبلة إدريس الملياني..
وحاضرة الطلبة المغاربة زمن الأمية العمالية الثانية
بالتباهي الذي يحاذي الصفاقة
والاستعراض الذي يحاكي الستربتيز
والتفاخر الذي يشبه السرقة
والتبذير الذي يقارب الانتحار
مقابل دول نظيفة،
بعضها جاء أبطاله ومخرجوه للعب الرياضي الرفيع
…يغفر المغاربة للأثرياء أنهم يغتنون ولو كان الأغلب من الناس..
لينين العظيم، أو الخاطيء أيضا، كانت له قولة رفيعة: الثقة لا تلغي المراقبة.. ولهذا فإن الثقة في الذين نجحوا حقا في صناعة فريق
وصناعة لحظات حب وفرح حقيقية
وصنعوا أيضا رهانا في مستوى الدول الكبرى، هذه الثقة لا تلغي ضرورة المراقبة يارفاقي في ماسكافا العظيمة…
سيذكر الذين عاشوا مع بلادهم بيقظة حينا وبأحلامها حينا آخر أن رجلا شديد الخطأ في روسيا القديمة اسمه جوزيف ستالين كان يقول: ليس المهم هو التصويت
بل المهم هو كيف نحسب الأصوات،
ياستالين الذي لم نحبك ولو لحظة ونحن في عز الانتماء إلى كوكبك الشرقي، نحب هذه الحكمة بعد تصويت المونديال القادم
وأرجلنا فعلا في مونديال الآن
رأسنا في 2026
وأرجلنا في 2018
هذا هو المهم وعقلنا لا تغيب عنه المحاسبة…
لا بسبب الفرح ولا بسبب الغضب..
سيذكر المغاربة بحكمة عالية
أن التبذير عندما يكون شخصيا
تبذير شخص يساوي الحرية
كل حر في ماله
وعندما يكون تبذيرا جماعيا
يصبح …سياسة!
هذا ما سنذكره..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 21/06/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *