هل مجال حريتنا الوحيد أن نختار بين الحرية للمغاربة وبين السجن للصوص المال العام؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

هل علينا أن نختار بين حرية الفرد في جسده، والسجن للصوص المال العام؟ أبدا!
لقد نضج المغرب بما يكفي، مجتمعيا وقانونيا، لكي يجيب على التحديين معا، في ترسانة لا تستطيع فيها قبلة نسف النظام العام، كما يهددنا التيار المحافظ ولا المال السايب تشكيل نموذج في الحكم، كما يهددنا سادة التجارة السياسية!
سياق هذين السؤالين، هو ما تناقلته وسائل الإعلام من تصريحات لوزير الدولة في حقوق الإنسان، حول مشروع القانون الجنائي، وما يرتبط فيه بالإثراء غير المشروع. ومن يقرأ تلك التصريحات، يكاد يجزم بأن مؤسسة البرلمان، والدولة عموما، تعطلان تجريم الإثراء غير المشروع، وأنهما معا حاضنتان للفساد،عندما يكون دليل الثروة، والثروة عندما تكون دليل الفساد، كما تعرب عن ذلك العبارة التي نسبت إليه:”»اللي شفر بصحتو«”.
وعليه، يمكن للذين، هم مثلي، يأخذون تصريحات رجال السياسة ورجالات المسؤولية مأخذ الجد، أن يستنتجوا أن اللصوص، الذين يغتنون من المال العام، يجدون في البرلمان، وبالتالي مؤسسة التشريع، وفي مكوناته، أي الأحزاب، حصانةَ تؤمن مهنة اللصوصية لديهم.
يحق للسي مصطفى الرميد، والمحامي والمناضل الدعوي أن يغضب، بل يجب عليه أن يغضب، لكن هل يحق له أن يعطينا الانطباع بأن الإثراء غير المشروع صار إثراء تشريعيا مطبعا معه؟
وأنه وحده من ينشغل بلصوص المال العام والصفقات والمؤسسات؟
وبالتالي فإن من يدافع عن إصلاح واسع وعميق وأكثر جرأة يساير نصف قرن من وجود المغرب المستقل، هو في المقابل الموضوعي لمن يتستر على الإثراء المشروع؟
لا بد من أن يدافع البرلمان عن نفسه، وعن سلطته المعنوية، وتبرئة نفسه من تهمة المشاركة في تكوين عصابة إجرامية، والتستر عليها واستعمال النصب والاحتيال على الأمة وسيلةً سياسية لمنع تجريم الإثراء غير المشروع، أو “تشفارت” بلغة المحامي مصطفى الرميد…
يجب أن نتفق على أن مساطر التشريع، وغيرها من أدبيات التوازنات، الصحيحة أو المفتعلة، لا يمكن أن تغطي على ضرورة التجريم اللامشروط لمن يمارس المسؤولية، ولمن يكون على مقربة من المال العام، ولمن تبدو عليه الثروة، كما يبدو الحب على العاشق..
الصمت هنا عجز بيِّن، والصمت تواطؤ، والصمت تهمة لا يمكن تجاوز آثارها القريبة والمتوسطة المدى..
فأن تقوم القيامة، ولا نستطيع أن نحمي البداهة في رفض الثراء الفاسد، من فرط الاستعمال الشعبوي، فذلك دليل عطب لا يمكن أن نخضعه لتوازن الجفاء ….
غير أن المعضلة لا توضع بهذا الشكل، بل يتم اختيار إخراج انتخابوي لها، كما لو أن الأمر يتعلق بتسخينات إعادة إنتاج حملة إنتخابية شعارها »الفساد والاستبداد«!
وهو حق مشروع، ما دام يحترم إرادات تشاركية أخرى في المحاربة الفعلية للفساد، الذي يكلف خمسين مليار درهم للبلاد.. والذي صار هدفا لاستراتيجيات الدولة، بل موضوع الرشوة ورد كموضوع خطابات ملكية وسقطت شبهة الطابو عنه، وصار موضوع سياسات عمومية ومحور عمل موسسات دستورية، يتم تعيين ريادييها من طرف ملك البلاد.
هناك اليوم نظرة شمولية، كبيرة للقانون الجنائي، فيه قلب لتربته ومنظومته، تحتاج الإنضاج والتأهيل الشامل، من أجل فلسفة شاملة، يجب أن تكون محاربة الفساد في صلبها..لا سيما أن شبهة الفساد لصيقة، عن حق أو عن باطل، بالممارسات المتفرعة عن الالتزام السياسي والتمثيلي، كما تلك المتفرعة عن المسؤوليات الأخرى ذات العلاقة بالمال والصفقات ..
هناك تزامن، لا يمكن أن تفلت سخريته: لقد تم الإعلان عن مشروع القانون الجنائي يوم 1 أبريل، فاتح الكذب الأبيض، وعلينا أن نطهره من السخرية..
ولا يمكن أن نقزمه في التصريح بالممتلكات، وحده، بدون أن يشمل كل مظاهر الثروة التي تثير الشبهة.
لا يمكن أن نقزمه في بند من بنوده، على أن يكون منظومة تحمي الحرية وتحمي البلاد من انحرافات بعض المسؤولين فيها..
يجب ألا ننسى، أن المغرب قد أدرج مظاهر الثروة في تضريب الأثرياء، وأن مقترحات الإعفاء في قانون المالية الحالي تفتح الباب لاسترجاع الأموال والممتلكات الموجودة في الخارج، كإعفاء مؤقت إلى حين تطبيق الاتفاقيات الدولية ولا سيما مع أوروبا في هذا الباب.
فلا يمكن أن تكون مظاهر الثروة بوابة للتضريب، ولا تكون بوابة للتجريم..
من المحقق أن هناك مقاربات أشمل، تضمن الحريات والفلسفة الجديدة فيها، وإنهاء الغربة الدستورية التي يعيشها القانون الجنائي منذ 2011، حسب التعبير الجميل للوزير محمد بنعبد القادر، ولا بد من تأهيل قانوني على قاعدة مدونة الأسرة، وأشياء أخرى تهم حريات الناس الفردية، ولا تعني أن للأثرياء المشبوهين الحق في ثروات على حساب المغرب..
لقد انتظر السيد وزير الأختام الأسبق مدة غير قليلة، لماذا يسارع اليوم إلى التهويل في ما انتظر هو شخصيا بلورته لأعوام عديدة؟
سؤال نتمنى ألا يكون للانتخابات القادمة دخل فيه.!!!
أما المفاضلة بين الحريات وحماية المال العام، فهي غير معقولة، لأن الكثيرين من لصوص المال العام هم ضد حريات الناس الفردية، والعكس صحيح أيضا!
فليس مجال حريتنا الوحيد هو أن نختار بين الحرية للمغاربة وبين السجن للصوص المال العام، أي إما السجن لمن يمارس حريته، أو الحرية لمن يمارس السرقة؟…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 25/02/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *