‮‬الاتحاد‭ ‬وعشرون‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬العهد‭ ‬الجديد ‭ -5-‬ : شرعية إصلاحية كبيرة لا غبار عليها وانحياز اجتماعي لا لبس فيه

عبد الحميد جماهري

تفكير من داخل منطق الدولة المُصلِحة التي تعقلن التاريخ 1/3

المكونات الأساسية‮ ‬للعجز في‮ ‬الثقة مست العلاقة بين المجتمع السياسي‮ ‬والمواطنين،‮ ‬والمجتمع السياسي‮ ‬والدولة، أي ثلاثية دولة- مجتمع سياسي‮ ‬ووساطات – مواطنين،‮ ‬وقد وجدت تعبيراته في‮ ‬النفور من العمل الانتخابي‮ ‬المباشر وفي‮ ‬انهيار صورة المؤسسات،‮ ‬وضعف الانخراط‮..‬
وقد بدأ التفكير من كل زوايا الحقل السياسي‮ ‬في‮ ‬تدارك هذا العجز،‮ ‬إما باقتراح وصفات سابقة في‮ ‬لبوسات جديدة أو وضع معادلات جديدة‮،‮ ‬تنبني‮ ‬على‮ ‬تقاطب حداثي‮/ ‬تقليداني،‮ ‬ما قبل إرساء الديموقراطية ووضع قواعد اللعب‮ …‬
‮ ‬ولا بد من التنبيه إلى سابقة في‮ ‬الحقل السياسي‮:‬
لقد كان الاتحاد يواصل دوره كقوة اقتراحية إصلاحية،‮ ‬ ويطرح أجيالا من الإصلاحات وهو يقود الحكومة لأول مرة في‮ ‬تاريخه الحديث،‮ أو‮ ‬يشارك في‮ ‬الحكومة، ‬كما هو حال ملف القضاء والعدالة‮ ‬والحوار الوطني‮ ‬الذي‮ ‬دشنه أو ‬كما فعل قبله،‮ ‬مع الحوار الوطني‮ ‬لإعداد التراب الوطني،‮ ‬بشكل موسع ولأول مرة‮، حتى صار مرجعا وطنيا في المعنى وفي المبنى…
هذا الجمع بين التدبير الحكومي‮ ‬بدون إضعاف القوة الاقتراحية في‮ ‬الإصلاح،‮ ‬والانخراط في‮ ‬الإصلاح القطاعي‮ ‬والجزئي‮ ‬بدون إغفال التوجه العام،‮ ‬وقراءة موازين القوة بين الحداثة والمحافظة‮‬،‮ ‬والعمل على تغيير شروطها،‮ ‬كان هو الذي‮ ‬هدى الاتحاد دوما إلى البقاء في‮ ‬مسيرة البلاد نحو التقدم والتقدمية‮..‬
وقد قاد الاتحاد مشاورات سياسية واسعة،‮ ‬ديدنها حصول الإقناع بالإصلاح في‮ ‬2009‮،‮ ‬والتقى الحزب كل الطيف السياسي‮ ‬وفي‮ ‬الأخير بقي‮ ‬وحده في‮ ‬رفع مذكرة إلى ملك البلاد‮…‬
لن نعود إلى كل القراءات الآثمة والمتسائلة والمشككة في‮ ‬تلك المذكرة،‮ عندما تم رفعها،‮ ‬فتلك تفاصيل طحلبية في‮ ‬المجرى ‬الكبير للنهر،‮ ‬بل نحتفظ فيها بأن المعطيات التي‮ ‬تراكمت في‮ ‬البلاد مع الربيع العربي،‮ ‬أكدت الحاجة إلى الإصلاح،‮ ‬وأكثر من ذلك التجاوب الكبير والرفيع للمؤسسة الملكية مع هذه المطالب‮ …‬
وعندما تحرك الشارع،‮ ‬المغربي،‮ ‬كانت كل القوى السياسية،‮ ‬تقريبا، اللهم مكون أو اثنان،‮ ‬ما بين البرزخين،‮ ‬قوة شرعية وقوة من خارج الحقل السياسي‮ ‬تزكي‮ ‬الدينامية التغييرية، فقد أينعت مواقف كثيرة تعتبر العملية مشبوهة. وهناك من هدد مناضليه بأي‮ ‬تعاطف مع الفبرايريين، وبالرغم من استحضار‮ احتمال الاستعمال البعدي‮ ‬لحركية إصلاحية كهذه،‮ ‬فإن القوة الأساسية لم تبخس عمل الفبراير المغربي‮.‬
كان الاتحاد قد تجاوب بسرعة‮‬،‮ ‬في‮ ‬بياناته ومن خلال مناضليه وأدبياته،‮ ‬بالرغم من القراءات المتباينة أحيانا لسقف الحركة،‮ ‬وإمكانياتها في‮ ‬التغيير،‮ ‬فقد تبدى عمليا بأن الاتحاد لم‮ ‬يخف من الشارع ولا امتثل لدروس الثورية التي‮ ‬كانت تريده أن‮ ‬يضطلع‮ ‬بغير ما وفره له التاريخ من أدوار،‮ ‬أي‮ ‬حركة إصلاحية،‮ ‬ذات نفس اجتماعي‮ ‬ووظيفة تاريخية‮…‬
وفكر الاتحاد، من داخل منطق الدولة التي تكون أداة لعقلنة التاريخ وترشيد التطور، لهذا اشترك معها في كون القرار الإصلاحي قرار سيادي، يتم تحت مظلة النظام الملكي الوطني، الدستوري، الساعي إلى خدمة المواطن…
لقد ربح الاتحاد رهان الإصلاحات، عندما تبين بالملموس أن مذكراته الإصلاحية،‮ ‬أصبحت قناعة عامة إبان موجات التغيير ولا سيما‮ موجة الـ20‮ ‬فبراير، في المجتمع، وفي هرم الدولة في خطاب 9 مارس الشهير والذي رسم للمغرب قفزته المؤسساتية الهائلة في محيطه الإقليمي وفي الدائرة العربية الإسلامية وأثار ردود فعل مرحبة في كل الكونيات الديموقراطية…
يتبع

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 10/08/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *