وداعا عزيز الوديع: تعالي يا لغتي، سنعود إلى حزننا!

عبد الحميد جماهري

 

تعالي يا لغتي سنعود إلى حزننا..
سنعود إلى ما نجيده في حياتنا:موت الأحبة!
رحل عزيز الوديع..
لي ما أقوله في حياته وعنها، ولست متأكدا أنني سأجيد
السرد عن موته
وفيها..
يكاد، من شفافية روحه، ألا يُرى
ويكاد لا يكون له عمر
وهو الذي له عمر البلاد
وعمر الزنازن
وعمر الضحك
وعمر الشجاعة..
يخيل لك أن الحياة قبلت مرة واحدة أن يعيش معها من يفوقها عنفوانا، معه فقط لا غير
ويفوقها شراسة، مع تشغيل نفس العناصر:
الهواء
والهدوء
والسلام
والترقب الدائم للمفاجأة بعفوية …
ربما لأنها لم تستطع مجاراته استعانت عليه بنقيضها
بالموت!
عرفته في ليبراسيون، أيام كان الشرف كله أن تعرف واحدا من أفراد العائلات التي استعصت على الاستبداد..
عرفته في الاتحاد الاشتراكي، أيام كان الحل الجماعي لمعضلة البلاد يقتضي أن نعيش بعد كل الذين فقدناهم..
ببساطة القبور العارية
والشاهدات
والجلابيب في أيام الذكريات..
ثم عرفته في الحياة، قل الحياة كمن يقول غرفة مطلة على محيط هادر، يترك لنفسه قميصا صيفيا من العاطفة
ومن البساطة..
فكرت أن أكتب عنه رواية تبدأ بفتى يأتون به في ليل بهيم
إلى ليل بهيم
لأنه يحب فلسطين
ثم يتدلل إلى أسرة والده الشجاعة وأخيه صلاح في السباق إلى المجزرة..
فكرت وعدلت
لأنه فاجأني بأن ما يأخذه من سيرته هو قدرته على الضحك في غياهب السجون: هل فكرتم مرة أن يكون يوسف في جبه
معجبا بجاد المالح مثلا؟…
أن يكون يونس في بطن الحوت
لا يأبه إلا لما يقوله عبد الرؤوف؟
إذن ستفكرون لماذا تستعصي الكتابة عنه روائيا وهو يفتح أمامك كتبا عن الضحك في السجن..
عرفته ونحن نبحث عن تخليد الذكرى الأربعين لرحيل عمر بن جلون: وكان هو تاريخ فلسطين في دم الشهيد
وهو وارث السر الصوفي في التزام الأب الوديع بفلسطين
وهو صاحب التفاصيل الصغيرة
والكبيرة معا..
عندما تجالسه تفاجأ بالكثير من العصافير تختبئ في قلبه لكي تموت سعيدة،
ومع ذلك تطير في كل ضحكة، كما لو كانت في جبل عيسى،
لم يدَّع شيئا في حياته..
لهذا كان عزيزا فعليا..
كنت أسمع في صوته صوت الوديع الأب، الذي سمانا بالاتحاديين:مال هذاك خينا؟
حقا.، هل سنبعث كلنا على قدم المواساة، مواساة مقصودة وليس خطأ؟..
لأن الذي يواسي عائلة في الفقيد

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 04/09/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *