«منتدى كرانس مونتانا».. تكوين الشباب بإفريقيا لتحويل المؤهلات الاقتصادية إلى واقع ملموس

جلالة الملك محمد السادس: هجرة بعض شبابنا نحو آفاق أخرى، في ظروف محفوفة بالمخاطر، لا ينبغي أن تصبح قدرا محتوما، ولا عنوانا لإفريقيا فاشلة

أبرز جلالة الملك محمد السادس، أهمية تكوين الشباب بإفريقيا، من أجل تحويل ما هو متاح اليوم من مؤهلات وإمكانات اقتصادية إلى واقع ملموس غدا.
وأكد جلالة الملك، في رسالة موجهة إلى المشاركين في النسخة الخامسة لمنتدى كرانس مونتانا المنظمة بالداخلة، والتي افتتحت أشغالها، أول أمس السبت، تحت شعار»بناء قارة إفريقية قوية وحديثة في خدمة شبابها»، أن الشباب الإفريقي في حاجة إلى العناية به، وتكوينه، وتحميله المسؤولية، بل وإعطائه ما يستحق من قيمة». مشيرا جلالته إلى أنه ينبغي تكوينه من أجل تحويل ما هو متاح اليوم، من مؤهلات وإمكانات اقتصادية، إلى واقع ملموس غدا.وحذر جلالة الملك من الإخفاق في هذا المجال، الذي من شأنه أن يكون «وبالا على قارتنا وعلى مناطق أخرى أيضا»، مسجلا جلالته أن «متوسط العمر في إفريقيا الآن، لا يتجاوز التاسعة عشرة، وهذا الجيل من الشباب، هو الذي سيبني إفريقيا الغد، وهو الذي سيساهم في توطيد السلم والاستقرار، وفي تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للقارة»، مشيرا جلالته إلى أن «هجرة بعض شبابنا نحو آفاق أخرى، في ظروف محفوفة بالمخاطر، بحثا عن غد أفضل، لا ينبغي أن تصبح قدرا محتوما، ولا عنوانا لإفريقيا فاشلة».وفي هذا الإطار دعا جلالة الملك إلى العمل على تنزيل حلول وجيهة ومناسبة، حتى يرى الشباب مستقبله في إفريقيا، ومن أجل إفريقيا، مبرزا جلالته أن تسارع وتيرة التحول الديمغرافي، ينبغي أن يكون مصاحبا ب«إطلاق مشاريع تنموية كبرى، كفيلة بتغيير واقع القـارة، سواء في ميادين التعليم والصحة، والفلاحة والبنية التحتية، أو في مجال محاربة الفقر».
وأشار جلالة الملك إلى أن المغرب يسعى إلى العمل، مع أشقائه الأفارقة، ومع أصدقائهم وشركائهـم، من أجل جعل إفريقيا قارة المستقبل، موضحا جلالته أن هذا هو التصور الذي يؤطر عمل المملكة، لاسيما بعد عودة المغرب إلى حضن أسرته المؤسساتية الإفريقية.
وأكد جلالة الملك، الذي ما فتئ يدعو إلى تضامن فعال وأخوي، ومفيد بشكل متبادل، أن «التزام المغرب من أجل إفريقيا، ومن أجل تعاون جنوب-جنوب مثمر، ليس نتاج ظرفية معينة، ولا مصالح ضيقة».مبرزا جلالته «إننا نعتبر قارتنا الإفريقية واجبنا ومسؤوليتنا، وفرصتنا»، مذكرا بقرار إلغاء مجموع الديون، منذ سنة 2000 ، التي قدمها المغرب للبلدان الأقل تقدما في القارة، واعتماد تسهيلات لفائدة صادرات هذه البلدان إلى المغرب.مردفا أن المغرب الذي أبى من خلال هذا الإجراء، إلا أن يجسد على أرض الواقع، التزامه بمسؤوليته وواجبه، المتمثلين في انتهاج سياسة تعاون تعود بالنفع على جميع الأطراف، اختار نهج الانفتاح والتضامن، واليد الممدودة إلى كافة نظرائه الأفارقة، مضيفا جلالته «إننا على يقين بأن هذه الشروط ضرورية لإعداد وإنجاح سياسات اقتصادية واجتماعية، تضمن عيشا كريما، وحياة أفضل لساكنة إفريقيا».
ولم يفت جلالة الملك التأكيد، بهذه المناسبة، على المكانة المتميزة التي أضحى يحتلها «منتدى كرانس مونتانا» بالداخلة، والذي «أصبح منذ خمس سنوات، موعدا هاما لإعمال التفكير، وللبحث عن حلول ملموسة ومبتكرة، كفيلة بتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة.»
وتحول المنتدى، حسب جلالة الملك، إلى «مركز يستقطب مشاركين من شتى المشارب، ومن مختلف بقاع المعمور. كما يستقبل شخصيات مرموقة، لتدارس قضايا تهم بالضرورة القارة الإفريقية، لكن صداها يمتد إلى القارات الأخرى، بفعل ما تتمخض عنه هذه اللقاءات من أفكار جديدة، وما تتيحه من فرص للتآزر والتعاون».
من جهته أكد الرئيس المؤسس لمنتدى كرانس مونتانا، جون بول كارتينون، يوم السبت بالداخلة، أن المنتدى ساهم في إشعاع المغرب عموما والداخلة خصوصا، على الرغم من «الانزعاج والغيرة» التي قد تنتاب بعض الأطراف.
وقال كارتينون، في الجلسة الافتتاحية للدورة السنوية الخامسة لهذا المنتدى السنوي، أن هذا الأخير أبرز التقدم الذي حققته المملكة والمشاريع الكبرى التي أطلقت في إطار الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس.
وسجل أن المغرب ليس ببلد نفطي، لكنه استطاع في المقابل أن يشيد ميناء طنجة المتوسط وعددا من المنشآت المرتبطة بالطاقة الشمسية، فضلا عن تنمية سياحية كبيرة مدعومة بصناعة في مجال السيارات والطيران وتطوير للبنيات التحتية في مجال النقل. مشيرا إلى أن جلالة الملك وضع هذا التقدم رهن إشارة الدول الإفريقية الراغبة في التنمية والتقدم، وهي مقاربة تجعل من المغرب مثالا يحتذى به ي مجال التعاون الثنائي ومتعدد الأبعاد مع القارة الإفريقية.
من جانبه، أكد نائب رئيس جمهورية غواتيمالا، جافيت كابريرا، أن هذا اللقاء يدعو كافة المشاركين إلى التفكير حول وسائل تقاسم خبراتهم وإطلاق نقاشات مثمرة بهدف تقديم اقتراحات ومبادرات من شأنها إنجاح الانتقال نحو اقتصاديات أكثر استدامة يستفيد منها الشباب والنساء.
وأبرز المسؤول الغواتيمالي أن إرساء سياسات عمومية «ناجعة وقابلة للتحقيق» يبقى أحد أهم التحديات التي تواجهها بلدان القارة، الأمر الذي يستلزم تضافر الجهود والتوفر على رؤية للنهوض بالساكنة الهشة لكل بلد.قائلا إن الهدف الأمثل يتجسد في إرساء أسس نمو دائم ومستدام لفائدة الأجيال الشبابية الصاعدة التي تطمح إلى عالم «أفضل ومنصف وعادل».
وفي جلسة موازية، استعرض المشاركون في المؤتمر التجربة المغربية في مجال المدن الذكية لاسيما بمدن الرباط والدار البيضاء ومراكش، أمام عمداء ورؤساء المدن الإفريقية. وركز اللقاء، الذي حضره ممثلون عن الجماعات الترابية وصناع القرار المحلي بالقارة الإفريقية، على التحديات المشتركة بين كافة المدن الذكية، والإسهامات العملية في خدمة مواطني القارة السمراء في أفق إرساء معالم مدينة متطورة، باعتبارها إحدى ركائز التنمية الحضرية مستقبلا.
وفي كلمة بالمناسبة، أكد محمد ياسين الداودي نائب رئيس الجمعية المغربية لرؤساء مجالس الجماعات، أن توجه المغرب نحو الحلول الذكية ليس وليد الصدفة، بل هو نابع من رؤية عميقة يقودها جلالة الملك محمد السادس، قائمة على تجسيد مبدأ اللامركزية وجعل المجال الترابي ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وأشار الداودي إلى أن الحديث عن إفريقيا قوية وحديثة لفائدة شبابها لا يمكن أن يغفل رقمنة خدمات القرب ومبدأ الحياة الذكية، حيث شرعت بعض المدن الإفريقية في سلك مسار الدول الأوروبية والآسيوية في هذا الاتجاه نحو خدمات رقمية ذكية.
وأبرز أن هذا التوجه يجد مبرره في الآفاق المتميزة التي يتيحها التحول الرقمي لفائدة الساكنة المحلية وتحقيق تنميتها المستدامة، مضيفا أن الانفتاح على التكنولوجيا لوحده لا يكفي لبلوغ هذه الأهداف وتحسين جودة عيش المواطن الإفريقي. بدورها، توقفت الأكاديمية والخبيرة الدولية في مجال المدن الذكية عواطف حيار، عند المقاربة المغربية في مجال المدن الذكية لاسيما بمدينة الدار البيضاء، والآفاق التي تتيحها في مجال خلق الثروات.
وأكدت أن المغرب لم يقارب هذا الموضوع من زاوية استعمال التقنيات الحديثة بقدر ما ركز على كيفية وضعها رهن إشارة المواطنين وتمكينهم من التحكم فيها لاستعمالها في تحسين محيطهم وفي مجال الإبداع والابتكار.
ودعت حيار الشركات الإفريقية العاملة في مجال الحلول والتطبيقات الذكية إلى بناء استراتيجية رقمية قارية وطموحة تعمل على تعزيز نمو الاقتصاد الإفريقي بطريقة شاملة ومستدامة عبر إدراج الحلول الذكية ضمن الأجندة الإقليمية.
من ناحية أخرى، شددت مداخلات عمداء ورؤساء المدن الإفريقية على ضرورة التحلي بالإرادة السياسية، مؤكدين على أهمية إرساء إطار قانوني وملائم ينظم عملية التحول الذكي نحو مدن مندمجة وقريبة من المواطنين، والتفكير في الموارد المالية والبشرية اللازمة، وتعميم هذا التحول الرقمي على كافة المدن الإفريقية.
ودعوا في هذا الإطار الجماعات المحلية الإفريقية إلى وضع التحول الرقمي في مصاف الأولويات الأساسية المتمثلة في الولوج إلى الكهرباء والماء والتطهير، وتقوية شبكة العلاقات القائمة بين جماعات القارة في إطار شراكة لامركزية جنوب -جنوب.
كما قام المشاركون في جلسة عامة نظمت السبت في إطار نفس المنتدى «كرانس مونتانا»، بتسليط الضوء على التجربة المغربية الرائدة في مجال الصناعات الغذائية والنهوض بالقطاع الفلاحي.
وأبرز مختلف المتدخلين، خلال هذا اللقاء المنظم في موضوع «الصناعة الغذائية في صلب نمو مستدام وتضامني»، الجهود المبذولة في إطار مخطط المغرب الأخضر الذي يروم مواكبة الفلاحين من أجل تثمين منتوجاتهم. وأشاروا إلى أن المملكة أطلقت برامج طموحة مكنت من إرساء مقاربة مرنة وتنمية مستدامة، خاصة في ما يتعلق بالزراعات ذات القيمة المضافة العالية.
وأكد المتدخلون أنه، بالإضافة إلى جهود تطوير الأنشطة الفلاحية وتحديث وسائل العمل، فإن المغرب كثف كذلك من إنتاجه الفلاحي من خلال تقديم الحوافز المالية، وتعبئة العقار الفلاحي، وتشجيع المشاريع المهيكلة في إطار الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
وتميز هذا الاجتماع بعرض مشروع الصحراء الخضراء، الذي يمتد على مساحة تبلغ 25 ألف هكتار وبغلاف مالي يبلغ 625 مليون دولار، ويهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، والذي ينص على مخطط عمل لمكافحة التغيرات المناخية، لاسيما بالمناطق الصحراوية.
وخلال عرض حول هذا المشروع الكبير، تم تسليط الضوء على أهداف هذه المبادرة، التي تطمح إلى حماية وتشجيع الاستخدام المستدام للأنظمة البيئية الأرضية، والتدبير المستدام للغابات، ومكافحة التصحر، ووقف تدهور الأراضي، والحد من فقدان التنوع البيولوجي.
وعلى هامش أشغال المنتدى عقد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، سلسلة لقاءات يوم السبت بالداخلة مع عدد من المسؤولين رفيعي المستوى، وهكذا، عقد لقاء مع الوزير الأول الهايتي جون هنري سيان، ونائب رئيس جمهورية غواتيمالا جافيت كابريرا، ورئيس برلمان التجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا مصطفى سيسيلو، ورئيس الجمعية الوطنية لإفريقيا الوسطى لوران نغون بابأ.
وشكلت هذا اللقاءات، التي حضرها الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المكلف بالتعاون الإفريقي محسن الجزولي، مناسبة لمناقشة الوسائل الكفيلة بتطوير علاقات المغرب مع هاته البلدان، وكذا آفاق التعاون في عدد من المجالات.
كما تم التركيز على وجاهة الموضوعات التي تطرق إليها منتدى «كرانس مونتانا»، وعلى ضرورة إرساء حوار دائم وتعاون وثيق من أجل رفع تحديات النمو الاقتصادي.
وانعقدت الدورة السنوية لمنتدى «كرانس مونتانا» التي خصصت لإفريقيا والتعاون جنوب-جنوب، بمدينة الداخلة من 14 إلى 17 مارس الجاري، للسنة الخامسة على التوالي، حيث يشارك في هذا المنتدى رؤساء دول وحكومات، ووزراء ومنظمات إقليمية ودولية وبرلمانية وعدد من المقاولات المنحدرة من إفريقيا وحزام جنوب-جنوب ومن العالم بأسره.
واقترحت دورة 2019 فتح تفكير عميق حول الوسائل الكفيلة ببناء إفريقيا قوية وحديثة لفائدة شبابها، من خلال تسليط الضوء على مواضيع الأمن الطاقي والمتطلبات البيئية والاقتصاد الرقمي والصحة العمومية والفلاحة المستدامة والنهوض بريادة أعمال الشباب والريادة النسائية.


بتاريخ : 18/03/2019