كيف تصبح كاتبًا؟ أمبرتو إيكو: الكذب مهارة خاصّة بالبشر

)اسم الوردة)، (الأثر المفتوح)، ( القارئ في الحكاية)، (باودولينو) وغيرها من الأعمال الروائيّة بجانب عشرات المقالات الأكاديميّة للمفكّر الإيطالي أمبرتو إيكو. إبداع إيكو مستفيض ومتنوّع فهو ناقد وفيلسوف وروائي ومنظّر، ترك لنا العديد من المقالات النقديّة والتاريخيّة، كما وضع أساس إحدى أهمّ النّظريات في السيميائيّة المعاصرة، والمعروفة بالسيميائيّة التأويليّة. المقتطفات التالية من حوار أجرته معه مجلّة باريس ريفيو.

 

p إلي أيّ مدى تعتبر رواياتك سيرة ذاتيّة؟

أحيانا أعتقد أنّ كلّ رواية هي سيرة ذاتيّة. فعندما تتخيّل شخصيّة فإنّك بذلك تكسبها بعض ذكرياتك الشخصيّة. إنّك تعطي جزء من ذاتك إلى شخصيّة مّا وجزء آخر لشخصيّة أخرى. وبهذا المعنى لا أكتب أيّ نوع من السيرة الذاتيّة، لكنّ الروايات هي سيرتي الذاتيّة، وهناك فرق.

p لماذا قرّرت دراسة فلسفة الجمال في القرون الوسطى؟

حظيت بتعليم كاثوليكي وخلال سنواتي الجامعيّة أدرت إحدى الجمعيات الطلابيّة الكاثوليكيّة القوميّة. ولذلك فقد كنت شغوفا بالفكر السكولائى الوسيط واللاّهوت المسيحي المبكّر. وشرعت في أطروحة عن فلسفة الجمال عند توما الاكوينى، لكن قبل الانتهاء منها تعرّضت لامتحان في إيماني. لقد كانت مسألة سياسيّة معقّدة، جعلتني طبيعة عملي في الجمعيّة الطلابيّة أكثر اهتماما بالمشكلات والعدالة الاجتماعيّة. وكان البابا بيوس الثاني عشر يحمي حزب اليمين. وفي أحد الأيام اُتهم حزب الجمعية بالهرطقة والشيوعيّة. حتّى أنّ جريدة الفاتيكان الرسميّة هاجمتنا. وكان هذا الحدث بمثابة الشرارة الّتي أدّت إلى مراجعة فلسفيّة لإيماني. لكنّني ظلّلت أدرس العصور الوسطى وفلسفتها باحترام بالغ، فضلا عن حبّي لتوما.

p يعتقد عامّة النّاس أنّ العصور الوسطى يكتنفها جوّ من الغموض والانعزال. ما الّذي جذبك نحوها؟

من الصّعب الإجابة على هذا السّؤال. لماذا تقع في الحبّ؟ لو كان عليّ أن أشرح، لقلت لأنّ الفترة هي بالضّبط عكس ما يتخيّله النّاس عنها. فلم أكن أرى أنّها عصور ظلام، بل كانت زمنا لامعا؛ إنّها التربة الخصبة الّتي ستنبع منها النّهضة، فترة انتقال مضطربة ونشطة، ميلاد المدينة الحديثة ونظام المصرف والجامعة، وفكرتنا الحديثة عن أوروبا، بلغاتها وشعوبها وثقافاتها.

p قلت ذات مرّة أن السيميائيّة هي نظريّة الكذب

عوضا عن «الكذب»، كان ينبغي لي القول إنّها «قول نقيض الحقيقة». فبمقدور البشر سرد قصص خياليّة، وتخيّل عوالم جديدة، وارتكاب أخطاء، والكذب. إنّ اللّغة تظهر كلّ تلك الاحتمالات. الكذب مهارة خاصّة بالبشر. الكلب الّذي يقتفى الأثر، يقتفى الرّائحة. لا الكلب ولا الرّائحة “يكذبان” إذا جاز التّعبير. لكن يمكنني أن أكذب عليك وأقول لك أن تذهب في ذلك الاتّجاه، وهو ليس بالاتّجاه الّذي سألتني عنه، ومع ذلك فأنت تصدّقني وتذهب في الاتّجاه الخاطئ. السّبب في إمكانيّة حدوث ذلك هو اعتمادنا على العلامات.

p فى روايتك (بندول فوكو) كتبت «كلّما كان الرّمز أكثر مراوغة وغموضا، كلما اكتسب مغزى وقوّة».

السرّ يكون قويّا عندما يكون فارغا. كثيرا ما يذكر النّاس “السّر الماسوني”. ما هو السرّ الماسوني بحقّ السّماء؟! لا أحد يعرف. طالما بقي فارغا يمكن ملؤه بكلّ فكرة ممكنة، ويكتسب قوّة.

p هل تقول إنّ عملك كسيميائىّ منفصل تماما عن عملك كروائيّ؟

ربّما يبدو ذلك عسير التّصديق، لكنّي لم أفكّر أبدا في السيميائيّة عندما أكتب رواياتي. بل أدع الآخرين يقومون بالعمل بعد ذلك. ودائما أندهش من نتائج عملهم.

p هل قرأت «شفرة دافنشي»؟

نعم، أعترف بذلك.
هذه الرواية تبدو مثل فرع صغير غريب من (بندول فوكو)
الكاتب، دان براون، هو شخصيّة من (بندول فوكو)! لقد اخترعته. إنّه يشارك شخصياتي في الافتنان بعالم مؤامرات الروزكروشين والماسونيين والجزويت ودور فرسان المعبد. السرّ المستغلق، ومبدأ أنّ كلّ شيء متّصل. أنّني حتّى أشكّ أنّ دان براون ربّما لم يكن موجودا.

p ما الّذي جذبك لكتابة رواية قائمة على أحداث تاريخيّة؟

الرواية التاريخيّة بالنسبة لي ليست مجرّد نسخة خياليّة من أحداث حقيقيّة بقدر ما أنّها تساعدنا على فهم أفضل للتّاريخ الواقعيّ. كما أنّني أحبّ ربط الرواية التاريخيّة بعناصر الرواية التكوينيّة bildungsroman. في جميع رواياتي هناك دائما شخصيّة شابّة تنمو وتتعلّم وتعاني عبر سلسلة من التّجارب.

 


الكاتب : ترجمة: ليلى زنكنه

  

بتاريخ : 22/07/2020