كيف تصبح كاتبًا؟ : أمبرتو إيكو: أعيد كتابة نفس الصفحة عشرات المرّات (2)

)اسم الوردة)، (الأثر المفتوح)، ( القارئ في الحكاية)، (باودولينو) وغيرها من الأعمال الروائيّة بجانب عشرات المقالات الأكاديميّة للمفكّر الإيطالي أمبرتو إيكو. إبداع إيكو مستفيض ومتنوّع فهو ناقد وفيلسوف وروائي ومنظّر، ترك لنا العديد من المقالات النقديّة والتاريخيّة، كما وضع أساس إحدى أهمّ النّظريات في السيميائيّة المعاصرة، والمعروفة بالسيميائيّة التأويليّة. المقتطفات التالية من حوار أجرته معه مجلّة باريس ريفيو.

 

لماذا لم تبدأ كتابة الروايات إلاّ في عمر الثامنة والأربعين؟

لم تكن قفزة كما اعتقدها الجميع، لأنّه حتّى في أطروحتي للدكتوراه وفى تنظيري كنت بالفعل أكتب الروايات. لقد اعتقدت منذ زمن طويل أنّ ما تفعله معظم الكتب الفلسفيّة بالأساس هي سرد قصّة بحثها، مثلما يشرح العلماء كيف توصّلوا إلى اكتشافاتهم الكبرى. لذلك فأنا أشعر أنّني كنت أروي قصصا منذ البداية، لكن بطريقة مختلفة بعض الشّيء.

 كيف بدأت التّنقيب والبحث عن رواياتك؟

بالنسبة لرواية (اسم الوردة) كنت بالفعل مهتمّا بالعصور الوسطى، وكان لدى مئات الملّفات في متناول يدي، وأخذ منّى الأمر عامين فحسب لأكتبها. (بندول فوكو) أخذت منى ثمانية سنوات بحثا وكتابة! وحيث أنّني لا أخبر أيّ شخص بما أفعله، يبدو لي الآن أنّني عشت في عالمي الخاصّ لعقد تقريبا. لقد خرجت إلى الشّوارع، ورأيت تلك السيّارة وهذه الشّجرة، وقلت لنفسي آه يمكنني ربط هذه الأشياء بقصّتي. وهكذا أخذت قصّتي تنمو يوما بعد يوم، وكلّ شيء قمت به، وكلّ شظيّة متناهيّة الصّغر من الحياة، وكلّ حوار، كان يمدّني بالأفكار. ثمّ زرت الأماكن الفعليّة الّتي أكتب عنها، كلّ المناطق الّتي عاش فيها فرسان المعبد في فرنسا والبرتغال. وأصبح الأمر شبيها بلعبة فيديو حيث يمكنني الاستغراق في شخصيّة محارب والدّخول إلى نوع ما من المملكة السحريّة. ما عدا أنّك في لعبة الفيديو تصبح مغيّب العقل تماما، بينما في الكتابة لديك دائما لحظة حاسمة تنطلق فيها من القاطرة، فقط لتثب إليها مرة أخرى الصباح التّالي.

 ما مدى صعوبة أن تجعل النغمة مناسبة؟

أنّني أعيد كتابة نفس الصفحة عشرات المرّات. أحيانا أحبّ قراءة الفقرات بصوت عال. فأنا حسّاس للغاية بخصوص نغمة كتاباتي.

 متى تكتب، وكم تكتب يوميا؟ هل هناك قاعدة؟

لا يوجد قاعدة. الكتابة لا تعنى بالضّرورة وضع الكلمات على الصّفحة. يمكنك كتابة فصلِ أثناء المشي أو تناول الطّعام.
وُجّهت لك انتقادات بسبب المعرفة الواسعة الّتي تظهرها في أعمالك. وقد ذهب ناقد إلى القول بأنّ السّبب الرئيسي لإعجاب القارئ العاديّ بأعمالك هو المهانة الّتي يشعر بها بسبب جهله، والّذي يتحوّل إلى إعجاب ساذج بعروضك المبهرة.
هل أنا سادي؟ لا أعرف. استعراضي؟ ربّما. أنا أمزح. بالطّبع لا! لم أكتب كل ّهذه الأعمال في حياتي من أجل تكديس المعرفة أمام القرّاء. معرفتي تنمّ عن البناء المعقّد لرواياتي. ثمّ الأمر متروك للقرّاء لاكتشاف ما يريدونه.

 هل غيّرت كتابة الروايات فكرتك عن مدى تأثيرك على القارئ كروائي؟

اعتقدت دائما أنّ الكتاب الجيّد هو أكثر ذكاء من مؤلّفه. فهو يقول أشياء لا يدركها الكاتب.
وجهت إليك الكنيسة الكاثوليكيّة انتقادات كثيرة. وصفت جريدة الفاتيكان الرسميّة (بندول فوكو) بأنّها “مليئة بالانتهاكات والتّجديف والمجون والبذاءة، بجانب العجرفة والسخريّة”.
الأمر الغريب أنّني تلقّيت للتّو شهادات فخريّة من جامعتين كاثوليكيتين: لوفين وليولا.

 هل تؤمن بالله؟

لماذا يحبّ المرء أحد الأشخاص يوما مّا ويكتشف اليوم التّالي اختفاء هذا الحبّ؟ المشاعر، للأسف، تختفي دون مبرر، وغالبا دون أثر.
إذا لم تكن تؤمن بالله، فلماذا كتبت باستفاضة عن الدّين؟
لأنّني أؤمن بالدين. البشر حيوانات متديّنة، ولا يمكن تجاهل أو تناسي هذه السّمة المميّزة للسّلوك الإنسانيّ.


الكاتب : ترجمة: ليلى زنكنه

  

بتاريخ : 23/07/2020