مشاركة الفر يق الوطني في مونديال المكسيك 1970 :  50 سنة مرت على  محطة عصية على النسيان

 

 

عاشت كرة القدم الوطنية فترات تميزت بالإشراق واللمعان والقوة. تألقت في زمن ينعث بالجميل، وﻷن كل جميل لا ينسى ولا يمحى ولايبلى، وﻷن الذاكرة هي رأسمال  الشعوب، فإنه أضحى من الحتمي واللازم الرجوع لهذه اﻷزمنة للتذكير بها، خاصة عندما تحل ذكرى من ذكرياتها لاستحضارها، النبش  فيها واستنطاقها.
وحتى يطلع الجيل الذي لم يعاصر تلك الفترات على ما أنجزه السلف من الرواد، الذين بلغوا في المجد مقاما عاليا، وأبلوا البلاء الحسن يوم كان الدفاع على القميص الشغل الشاغل، ولم تكن الماديات والمغريات عناصر أساسية، ومن بين المحطات التي عاشتها كرة القدم الوطنية، مشاركة المنتخب الوطني في نهائيات كأس العالم 1970 بالمكسيك، التي حلت ذكراها 50 مؤخرا، إنجاز عد  آنذاك حدثا بارزا ومتميزا لعدة اعتبارات، منها أن المشاركة جاءت بعد مرور 9 سنوات على إخفاق الفريق الوطني في التأهل لمونديال الشيلي 1962، رغم عرضه الباهر خلال آخر لقاء إقصائي أمام إسبانيا، ورغم  الهزيمة بالبيضاء  ومدريد في نونبر 1961،  ثانيا أن القارة السمراء تمنح لها الفيفا ﻷول مرة مقعدا   كاملا (واحد) في النهائيات، حينها كان يشارك فيها 16 فريقا،  فكان المغرب أول ممثل للقارة. فبعد إقصائيات جد شاقة وصعبة،  حيث كانت المنتخبات الافريقية قوية،  لاعبوها عبارة عن أجسام بدينة تلعب بخشونة يميزها العنف والضرب،  إلى جانب التحكيم المتحيز. وللوصول للمكسيك، كان على الفريق الوطني خوض مجموعة لقاءات، منها التي  كانت حاسمة وتم اللجوء فيها للقاء فاصل كما كان الشأن أمام السنغال وتونس،  وضد هذه اﻷخيرة حسمت النتيجة لصالح المغرب بعد اللجوء للقرعة بمرسيليا الفرنسية، ليمر الفريق الوطني للمرحلة اﻷخيرة والخصمان آنذاك كانا يعدان من بين أقوى المنتخبات قاريا،  هما نيجيريا والسودان،  وفي شأن هذه المحطة وقبلها تم عقد اجتماع للكونفدرالية الافريقية لكرة القدم، بحضور الكاتب العام للجامعة أحمد النتيفي قصد الفصل في تاريخ وأشكال وأماكن إجراء المباريات.
كان منافسا المغرب يرغبان في إجراء دوري ثلاثي في مباراة واحدة  بملعب محايد،  والمحتل  للصف اﻷول يتأهل للنهائيات، إلا أن ممثل المغرب كان ضد المقترح وما ذهب إليه  المنتخبان  اﻵخران، وفضل إجراء دوري ثلاثي ذهابا وإيابا بملاعب المنتخبات،  فتم تحديد التواريخ بدءا من 20 شتنبر 1969،  وتبين أن الجدول والبرمجة في صالح المغرب،  وهكذا استقبل الفريق الوطني نيجيريا، التي سبق أن تعادلت  بميدانها أمام السودان،  وتمكن المغاربة من الفوز بـ 2 – 1،  ثم عادوا  بتعادل 0 – 0 من السودان،  لتصبح الطريق معبدة أمامهم لضمان التأهل،  وخلال المحطة الثالثة استقبل الفريق الوطني السودان، في وقت كانت اﻵلة الوطنية تعيش على إيقاع التوازن وقادرة على تحدي كل الصعاب، وكانت المواجهة  مصيرية وتمكنت المجموعة الوطنية من الفوز بـ 3 – 0، فكان التأهل قبل استكمال نصابه من المباريات،  ودون انتظار نتيجة لقاء لاغوس،  حيث استفاد المغرب من تعادل خصميه ذهابا وإيابا.
تأهل جاء رفقة المدرب اليوغوسلافي فيدينيك، الذي أنهى اﻹقصائيات التي بدأها سلفه كليزو، ليبقى اللقاء اﻷخير بنيجيريا شكليا،  حيث انهزم خلاله المغرب بـ 2 – 0، لتعم الفرحة العارمة كل أرجاء الوطن.
لتأتي محطة أخرى كانت بدورها هامة، وهي إجراء قرعة تقسيم الفرق 16 المؤهلة للمونديال إلى 4 مجموعات، فجاء المغرب في مجموعة تضم البيرو، بلغاريا وألمانيا الاتحادية (تسميتها آنذاك)، والتي كانت وقتها من بين أقوى المنتخبات العالمية، حيث لعبت نهاية المحطة السابقة بإنجلترا سنة 1966، وفازت قبلها بالكأس بسويسرا 1954، وتضم لاعبين كبار في مقدمتهم القيصر فران بيكنباور.  هيمن على الجانب المغربي الخوف، ليس من الهزيمة أمام الفريق الجرماني التي كانت حتمية،  ولكن من الحصة التي يمكن أن تكون مدوية ومذلة، حيث الفريق الخصم محترف،  مقابل العناصر الوطنية الهاوية.
انتقل المنتخب الوطني إلى المكسيك في ماي 1970، وحل الموعد يوم اﻷربعاء 3 يونيو والمواجهة مع اﻷلمان، الذين استقبلوا أشبال فيدينيك ببرودة واستخفاف، بمدينة ليون،  وقبل الانطلاقة عمل الراحل والعميد إدريس باموس على الرفع من معنويات أصدقاءه قائلا، «باش فايتينا هاد للمان، اللقاء سيتابعه جلالة الملك والشعب المغربي كله»، مما كان له الوقع إيجابي في نفوس العناصر الوطنية، حيث نجح الراحل حمان في توقيع الهدف في مرمى مايير في الدقيقة 21، لتنتهي الجولة اﻷولى بامتياز مغربي، وفي الشوط الثاني وفي الدقيقة 56 وقع سيلير هدف التعادل،  ولم يأت الثاني  إلا في الدقائق اﻷخيرة (78) بواسطة  ميلير، بعد أن قاوم المغاربة والحارس علال بتدخلاته الناجحة  رغم اﻹصابة،  ونظرا ﻷهمية اللقاء، فقد كان الملك الراحل الحسن الثاني سيواجه خطابا للشعب لو فازت العناصر الوطنية، وكانت المحطة الثانية البيرو، وساد الاعتقاد أن الفريق ونظرا للوجه الذي ظهر به في المواجهة اﻷولى بإمكانه تجاوز هذا الفريق اللاتيني بسهولة، رافق هذا تصريح للمدرب فيدينيك، جاء فيه أن مشكل الفريق الوطني مع ألمانيا، أما البيرو وبلغاريا فإنهما في المتناول، وفي تلك اآونة وقع زلزال بالعاصمة ليما وشاع أن أصدقاء  كوبياس سينسحبون، إلا أن اللقاء أجري  فكانت الهزيمة غير المنتظرة وبحصة 3 – 0 وكان الختام بلقاء بلغاريا 1 – 1، بهدف موهوب الغزواني.
استحضار هذه المحطة هي مناسبة كذلك  للترحم على أرواح لاعبين ساهموا في هذه الملحمة، والذين رحلوا إلى دار الخلود كإدريس باموس، علال بنقسو، حميد الهزاز، عبد الله العمراني، قاسم السليماني،  مصطفى شكري (بيتشو) عبد القادر الخياطي حمان جرير
وستبقى هذه المحطة عصية على النسيان، منقوشة في سجل الرياضة الوطنية، تتذكرها اﻷجيال المتلاحقة.


الكاتب : أورارى  علي

  

بتاريخ : 25/07/2020

أخبار مرتبطة

نهضة بركان يتحدى الزمالك بملعب القاهرة بحثا عن لقب إفريقي ثالث   يتسلح نهضة بركان، حينما يواجه يوم غد الأحد،

أخذا بالاعتبار أن الطب الرياضي هو قاعدة أساسية، بل وحلقة أقوى لتقدم الرياضة بشكل عام، وكرة القدم بشكل خاص، ووعيا

  ذهبت آخر الأخبار إلى أن الشكة الوطنية لإنجاز وتدبير المنشآت الرياضية، المعروفة اختصارا بـ “سونارجيس”، ستتولى أشغال إعادة تأهيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *