لويس بريتو غارسيا .. «بإمكانك تحسين ذاكرتك»!

على امتداد عشرة أيام وهم يحاولون التأثير عليه ليعترف لمن دفع المنشورات التحرّشية ،على سطح ذاكرته يطفو فقط اسم خوليان أو ربما لم يكن خوليان بل ميغيل، ومهما يكن فقد كان اسماً مستعاراً،وبعدئذٍ هل كان طويلَ القامة أم قصيرَها،هل تراه فى هذه الصّور ؟ ليس هناك وسيلة للتعرّف عليه ،إنّ وجهه يتورّم ثمّ سرعان ما يعود إلى حاله مثل نبات مائي تحت تأثير تيّارات قويّة.
كيف كان أنفه ، فمه ،إلاّ أنّني فى الواقع لا أتذكّر شيئاً ،يا لها من ذاكرة ضعيفة . وأفدح من ذلك هو أنه من فرط الضّرب على الرّأس يزداد الأمرُ سوءاً، إنهم يبدأون فى القول عمارة ب 2،أو س6، أو كان فى أ أو 2،أو ربما كانت العمارة الثامنة، إلاّ أنه ،عجباً فذلك شبيه بمن يحاول أن يتذكّر رقم لوحة سيّارة عمّه،أو رقم ياناصيب،تلك الأرقام المتراقصة التي يحار فيها المرء إن كانت هي أم ليست هي، وفى الأخير يكون الرّقم الذي نطقت به هو رقم وثيقة تعريفك الشخصي ،عندئذٍ رفسة من هنا،وركلة من هناك.
هل كان فى المخبأ أم لم يكن هناك رجل قميئ مثلما يبدو فى هذا الرّسم من الصّعب أن تميّز بين العديد من البشر الذين يغدون ويرُوحون من وإلى مختلف الأماكن الحقيقية والخيالية ،وسيكون صعباً أكثر عندما ينزعون كبد الواحد،لأنّ ذلك الغليان أو تلك الحرارة يشعر بهما بالقرب من المعدة لا شكّ أنه الكبد،فالكبد له علاقة بالحرارة المرتفعة جدّاً ولا ريب أنّ ذلك يؤثّر فى الذاكرة إذن كما ترون كيف لي أن أتذكّر.
إنني لا أتذكّر شيئاً فكيف لي أن أعرف أو أتصوّر قائمة أسماء أشخاص ،كيف لي أن أتذكّر أرقام تليفونات ،إذا قلت لكم على سبيل المثال إنني لا أتذكّر انّ السيد الذي أثار فى نفسي الغثيان ودفعني إلى القيّ منذ قليل هل كان إسمه « غونساليس» أم «هرنانديث» أم ربما كان إسمه « غوتييرّيس»،فما بالك إذا تعلّق الأمر بأحداث وقعت منذ أشهر وهي أشياء كثيرة لا علاقة ولا صلة لي بها.
لقد أخذوني من الميدان الكبير داخل سيّارة ولم ألتفت يميناً أو يسرةً ، لم أعر اهتماماً للطريق،والآن وقد أصبحت أشعر بالألم حتى من جرّاء بلع ريقي،ذلك إذا كان فى إمكاني بلع ريقي ،فإنني لا أتذكّر إذا ما كانت الرّفسة تنزل على حنجرتي أو ربّما على…
إنني رجل أعاني من ضعفٍ فى ذاكرتي،فأنا لا أتذكّر حتى وجهَ عمّتي « رُوساريُو» بل إنّ ضعف ذاكرتي يجعلني لا أعلم من أين خرج هذا الإسم ،إنه شبيه ببطاقة قديمة تعود إلى عدّة سنوات،وعلى سبيل المثال إنني لا أتذكّر إسمَ المدرسة ،ولماذا أقول مدرسة،وهذا أفدح فأنا عندما أقول مدرسة ألاحظ أنّ هناك فراغاً أسود قاتماً صلباً ، فذلك قد إنتهى منذ مدّة …أيّ تراءى لي هناك فى مكان مّا إسم كلبي (نسيته) منزل أخوالي (نسيته) لا وفراغ يا للهول ،إنه الآن يزداد إتّساعاً ويبتلع عروساً (تُرى مَنْ هي) ولكن ذلك لا يهمّ ،انه شبيه بمن يفقد ذراعيْه ولكن يبقى له ذراع أخرى ،انني عندما اتذكر ذلك الوقت اكتشف انّ الذراع الباقية تتراقص فى الفراغ الذي يزداد اتساعاً وكبراً،ولا يبقى فى الأخير سوى اعتقالي وهذه العشرة أيام التي ….
إلاّ أنّني أستطيع أن أتذكّر كلّ ما فعلوه بي إذا كان الذي فعلوه كان،إنه،لا ليس ذلك.
طيّب أنا هو أنا، لي رأس وذراعان وقدمان وبدن وهذا الإدراك،وبذلك أشعرعلى الأقلّ بأنّني حيّ .إنني حيّ،الموتى هم الذين لا يتذكّرون ،فأنا مثلاً لديّ ذراعان،ولكنّ الآن ماذا يعني ذراع ،ولكن كيف سيكون،إذا كان الذراع هو ،نعم إنني أتذكّر جيّداً أنه،شيئ مثل الباقي،نعم الباقي،وأيّ شيئٍ هو الباقي،وأيّ شيئٍ هو شيئ،وأنا هو أنا،أم هو الذي كان،وأيّ شيئٍ يعني كان،وأسود،وفراغ،وكان.

هامش :

من أبرزكتّاب القصّة القصيرة المعاصرين فى فنزويلا، حاز على عدّة جوائز هامّة فى هذا الصّنف من الإبداع الأدبي فى بلاده ، وقد أدرَجتْ أعمالَه القصصية غيرُ قليل من الأنطولوجيات الصّادرة فى أمريكا اللاّتينية .

* كاتب ومترجم من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية – الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوتا- كولومبيا.


الكاتب : ترجمة: محمد محمد خطابي *

  

بتاريخ : 07/08/2020

أخبار مرتبطة

  “لا معنى لمكان دون هوية “. هكذا اختتم عبد الرحمان شكيب سيرته الروائية في رحلة امتدت عبر دروب الفضاء الضيق

  (باحثة بماستر الإعلام الجديد ، والتسويق الرقمي -جامعة ابن طفيل – القنيطرة) حدد الأستاذ عبد الإله براكسا، عميد كلية

  في إطار أنشطتها المتعلقة بضيف الشهر، تستضيف جامعة المبدعين المغاربة، الشاعر محمد بوجبيري في لقاء مفتوح حول تجربيته الشعرية،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *