وداعا محمود‭ ‬معروف

كالصاعقة‭ ‬نزل‭ ‬خبر‭ ‬وفاتك‭ ‬يامحمود،‭ ‬خير‭ ‬وفاتك‭ ‬المؤلم‭ ‬والقاسي‭ ‬ياابن‭ ‬فلسطين‭ ‬الوفي،‭ ‬رحمك‭ ‬الله‭ ‬يا‭ ‬أخي‭ ‬الغالي‭…‬
قادما‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬حاملا‭ ‬معه‭ ‬فلسطين‭ ‬قضية،‭ ‬ثقافة،‭ ‬إعلاما،‭ ‬جرحا‭…‬
جاء‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1989‭ ‬يحمل‭ ‬معه‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ومعه‭ ‬نبله‭ ‬وطيبوبته‭ ‬وقلبه‭ ‬المفتوح‭ ‬لكل‭ ‬الصداقات‭ ‬الصادقة‭..‬
وأعتقد‭ ‬أني‭ ‬عرفته‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬عابر‭ ‬تلك‭ ‬السنة‭ ‬وبعده،‭ ‬وطيلة‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬تواجده‭ ‬بالمغرب،‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬أخا‭ ‬أعتز‭ ‬بأخوته،‭ ‬زميلا‭ ‬فتح‭ ‬لي‭ ‬كل‭ ‬مصادر‭ ‬خبره‭ ‬وشبكة‭ ‬علاقاته‭ ‬خاصة‭ ‬الفلسطينية‭…‬
محمود‭ ‬معروف،‭ ‬كما‭ ‬عرفته،‭ ‬عزز‭ ‬النوافذ‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬منها‭ ‬المغاربة‭ ‬فلسطين،‭ ‬أذكر‭ ‬أن‭ ‬النسيج‭ ‬السياسي‭ ‬والنقابي‭ ‬والجمعوي‭ ‬كان‭ ‬يتابع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إعلاميا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مجلات‭ ‬فصائلها‭:‬ فلسطين‭ ‬الثورة‭ ‬‭‬الهدف،‭ ‬الحرية،‭ ‬وهي‭ ‬منابر‭ ‬لحركة‭ ‬فتح‭ ‬والجبهة‭ ‬الشعبية‭ ‬والجبهة‭ ‬الديمقراطية‭.. ‬وثقافيا‭ ‬كانت‭ ‬مجلة‭ »‬الكرمل‭ «‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬سنة‭ ‬1981‭ ‬وأشرف‭ ‬عليها‭ ‬الشاعر‭ ‬الكبير‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬رحمه‭ ‬لله،‭ ‬وكنا‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬نواكب‭ ‬تطورات‭ ‬القضية‭ ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الراحل‭ ‬الأخ‭ ‬والصديق‭ ‬واصف‭ ‬منصور،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬مدينة‭ ‬أو‭ ‬قرية‭ ‬بربوع‭ ‬المغرب‭ ‬إلا‭ ‬وألقى‭ ‬فيها‭ ‬محاضرة،‭ ‬والسفير‭ ‬أبو‭ ‬مروان‭ …‬
محمود‭ ‬كان‭ ‬إضافة‭ ‬نوعية‭ ‬بتواجده،‭ ‬وطيلة‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة،‭ ‬بالمغرب،‭ ‬كانت‭ ‬كتاباته‭ ‬عن‭ ‬القضية،‭ ‬وهو‭ ‬صحفي‭ ‬بجريدة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬حيث‭ ‬اشتغل‭ ‬بمكتبها‭ ‬بالرباط‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الإخوة‭ ‬محمد‭ ‬الأشعري‭ ‬وإدريس‭ ‬الخوري‭ ‬ومحمد‭ ‬بوخزار،‭ ‬حتى‭ ‬وهو‭ ‬يؤسس‭ ‬لصحيفة‭ «‬القدس‭ ‬العربي‭» ‬بلندن‭ ‬سنة‭ ‬1989‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الإخوة‭ ‬عبد‭ ‬الباري‭ ‬عطوان‭ ‬وأمجد‭ ‬ناصر‭ ‬والأخت‭ ‬سناء‭ ‬العلول،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ينتقي‭ ‬المقالات‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬تحاليل‭ ‬وحوارات‭ ‬وأعمدة‭ ‬وقراءات‭ ‬ونصوص‭ ‬أدبية‭ ‬بالجريدتين‭ ‬ويتم‭ ‬نشرها‭ ‬بتزامن‭ ‬في‭ ‬الصدور‭ ‬بلندن‭ ‬والدار‭ ‬البيضاء‭.‬
سنة‭ ‬1989 ،‭‬سنة‭ ‬مجيء‭ ‬محمود‭ ‬إلى‭ ‬الرباط،‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬تأسيس‭ ‬اتحاد‭ ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬اهتمام‭ ‬محمود‭ ‬بهذا‭ ‬التجمع‭ ‬الإقليمي‭ ‬كان‭ ‬حاضرا‭ ‬بامتياز‭ ‬في‭ »‬القدس‭ ‬العربي‭ ‬،‭«‬مع‭ ‬محمود‭ ‬قمنا‭ ‬بتغطية‭ ‬أشغال‭ ‬قمم‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬واجتماعات‭ ‬أجهزته‭ ‬الرئيسية،‭ ‬وحاورنا‭ ‬بصفة‭ ‬مشتركة‭ ‬شخصيات‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬وتونس‭ ‬وليبيا‭ ‬وموريتانيا،‭ ‬وبالمناسبة‭ ‬أذكر‭ ‬هنا‭ ‬حوارا‭ ‬أجريناه‭ ‬مع‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الموريتاني‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬قوية‭ ‬بنواكشوط‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬إقالته‭…‬
نسج‭ ‬محمود‭ ‬علاقات‭ ‬واسعة‭ ‬بالمثقفين‭ ‬والسياسيين‭ ‬والمسؤولين‭ ‬المغاربة‭ ‬والسلك‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬بالرباط،‭ ‬ويندر‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬صحفيا‭ ‬له‭ ‬هذه‭ ‬الشبكة‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬التي‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مهنية‭ ‬فهي‭ ‬إنسانية،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬محمود‭ ‬معروف‭ ‬كان‭ ‬يحرص‭ ‬أن‭ ‬تبنى‭ ‬العلاقات‭ ‬على‭ ‬الصدق‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭…‬
ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬إذن،‭ ‬في‭ ‬بدايتها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬محمود‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬الصدفة‭ ‬التي‭ ‬قادته‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬كمراسل‭ ‬لوكالة‭ ‬«القدس‭ ‬بريس»‭ ‬وكان‭ ‬مقرها‭ ‬ببيروت،‭ ‬ستتحول‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬وعلاقات‭ ‬اجتماعية‭ ‬عميقة،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬دائما‭ ‬فلسطين‭ ‬بكل‭ ‬الزخم‭ ‬وبكل‭ ‬ثقل‭ ‬القضية‭ …‬
رحمك‭ ‬لله‭ ‬يامحمود،‭ ‬أحر‭ ‬التعازي‭ ‬وأصدق‭ ‬المواساة‭ ‬إلى‭ ‬رفيقة‭ ‬عمرك‭ ‬السيدة‭ ‬الفاضلة‭ ‬بحرية،‭ ‬إلى‭ ‬أولادك‭ ‬وبناتك‭ ‬وأحفادك،‭ ‬إلى‭ ‬أهلك‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬ولبنان‭…‬


الكاتب : مصطفي‮ ‬العراقي‮ ‬

  

بتاريخ : 04/09/2020