حياة بومدين: المفتاح الضائع لفهم ملابسات قضية الهجوم على «شارلي ايبدو» والسوق «هيبر كاشير» في 2015

 

نشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية، بتاريخ الأربعاء 2 شتنبر 2020، وتحديدا في ركن «هوريزون» من نفس الصحيفة، تقريرا صحفيا أشرفت عليه الصحافية «إيليز فانسون»، يحمل عنوان «شارلي وظل حياة بومدين»، تتناول فيه الصحافية، موضوع إعادة فتح الملف القضائي للهجمات الإرهابية، التي طالت جريدة «شارلي إيبدو» الساخرة في 2015، مودية بحياة مجموعة من العاملين بالجريدة، وارتباط الزوجة السابقة لمنفذ هذه الهجمة حياة بومدين بهذه القضية المثيرة للجدل.
مع إعادة فتح الملف القضائي للهجوم الإرهابي على جريدة «شارلي إيبدو» الساخرة، المرتقب من قبل الرأي العام الفرنسي. يتنفس محمد بومدين الصعداء، لكونه أب لسبعة أطفال، من بينهم أحد الوجوه البارزة لهذه العملية، وهي ابنته «حياة بومدين»، المرأة الوحيدة المشاركة في العملية الإرهابية، التي استهدفت كلا من «شارلي ايبدو» و«هيبر كاشي» في 2015 مخلفة وفاة 17 شخصا، حيث صرح في اتصال هاتفي له، بأنه لا يزال غير مصدق أن ابنته مشاركة في هذا العمل الإرهابي، الذي هز فرنسا قبل 5 سنوات.
لم يغير محمد بومدين رقم هاتفه المحمول، ولا عنوان منزله منذ أحداث سنة 2015، بل لايزال يقيم في «فارل دي مارن» القريبة من مدينة «هوت نوو»، المحاذية للطريق الوطنية «أ4»، حيث يكتري شقة بإيجار متوسط، ولايزال سائق التوصيل المتقاعد يتلقى الاتصالات الهاتفية، عبر نفس الرقم الهاتفي الخاص به منذ 2015، وتحديدا منذ هروب ابنته إلى سوريا، وهي التي كانت عونا لـ «اميدي كوليبالي»، العقل المنفذ للهجوم على «هيبر كاشي»، والذي أردته الشرطة قتيلا خلال نفس الهجوم.
لقد اعتاد محمد بومدين، ومنذ تلك الأحداث، على تفادي النطق باسم ابنته «حياة»، قائلا «لا أحب أن أتذكر تلك الأحداث»، «لا أريد المزيد من المشاكل»، وهذه ليست مشكلتي…».
إن رغبة هذا الأب، على غرار الكثير من أولياء الأمور من الجالية المسلمة بفرنسا، هي أن يجنب أبناءه الاحتكاك بالحركات الإسلامية، او المجموعات المنتمية لها المتموقعة بمعظم التجمعات التي تقطنها الجالية المسلمة بفرنسا. من جهة أخرى، وفي ما يخص ابنته الفارة من القضاء الفرنسي، فقد كانت ترسل بين الفينة والأخرى رسائل، والتي كانت، بالرغم من شحها، تثبت بقاءها على قيد الحياة لعائلتها، غير أن الأمر تغير قبل بضع سنوات، حين انقطعت أخبارها، ليوضع اسمها ضمن لائحة المفقودين الطويلة المبحوث عنهم من قبل القضاء الفرنسي.
كان من الممكن أن تتوقف الحكاية في هذه النقطة، بيد أن المحاكم الفرنسية، في حالة الإرهاب خصوصا، اعتادت متابعة المشكوك في وفاتهم وإدانتهم قضائيا، غير أن الأمر تغير في شهر يناير، مع فتح بحث قضائي جديد من قبل وحدة مكافحة الإرهاب، بعد شهادة إحدى الإرهابيات العائدات إلى فرنسا، مؤكدة فيها أن حياة بومدين لاتزال على قيد الحياة، بيد أن هذه المعلومة المنتشرة كالنار في الهشيم، ساهمت في إحياء بصيص الأمل، في محاولة لفهم هذه المرأة ذات الوجه الدائري و البشرة الفاتحة، المجسدة للجهاد النسوي الفرنسي.
إن موجة العمليات الإرهابية، التي عرفتها فرنسا منذ سنة 2015، بدأت تنسى شيئا فشيئا، غير أن اسم حياة بومدين، لا يزال له صدى مسموع، جعل منها واحدة من أسس العمل الإرهابي في فرنسا.
في تلك الفترة، كانت رحلات النساء نحو الأراضي العراقية-السورية مازالت في أوجها، إلا أن الفكرة المستندة إلى القيام بأعمال ارهابية، خاصة في الأراضي الفرنسية، لها امتيازاتها كذلك. وبدعمها لرفيقها، أثناء التحضير لما قبل الهجمتين الإرهابيتين، ثم الالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية، وهي المرأة الخجولة ودون سوابق عدلية والمولودة بتاريخ 26 يونيو 1988 في باريس لعائلة من أصول جزائرية، فتحت حياة صندوق «باندورا» على نفسها و عائلتها.
لقد عاشت حياة بومدين، تقلبات متنوعة في حياتها، ساهمت في تكوين شخصيتها الإرهابية، فقد كان للوفاة المؤلمة لوالدتها في 1994، خلال عملية جراحية على مستوى القلب، أثر واضح على ابنة 8 سنوات، علاوة على كرهها لزوجة أبيها، و وضعها في دار رعاية في سن 12، واستمرارها في رحلة التنقلات بين الخيريات ودور الرعاية بسبب سلوكها الصعب، إلى أن توقفت عن الدراسة في سن 17 سنة دون الوصول لمرحلة الباكالوريا، وتتذكرها إحدى صديقات الطفولة متحسرة :»حياة كانت انعكاسا لاسمها، فتاة طيبة، وتلميذة طبيعية».
اكتشفت حياة بومدين الإسلام، بحسب اعتقادها، في نزهة لها، قادتها إلى مكتبة إسلامية قريبة من محطة المترو «كورون» في باريس. هذه الديانة التي وصفتها ب»المهدئة»، ستقودها في يوم ما إلى العدالة، وستمكنها من تعميق دراستها التي أجهضتها. بالرغم من أن المجاهدة المستقبلية، لم تطأ أقدامها المسجد بشكل دائم، إلا أنها عكفت على ممارسة شعائرها الدينية في المنزل، ومنه ستتوجه إلى الدراسات الصارمة حوله. ستعود ذهابا وإيابا في رحلتها هذه، إلى المدينة حيث ولدت، وهي معقل تاريخي للتبشير السلفي، حيث يتجاوز تأثيرها جدران قاعات الصلاة.
لم تتجاوز حياة بومدين، سن 20 سنة عند لقائها لأول مرة ب» اميدي كوليبالي»، عبر صديق مشترك بينهما، حيث طمح السارق السابق، إلى حياة مستقبلية مستقرة، حاله حال حياة في تلك الفترة، حيث سيواصل الاثنان مسيرتهما الدينية معا. في سنة 2009، سيتزوجان، ملتزمين بقواعد صارمة، من بينها عدم إقامة حفل زواج، وعدم مرافقة والدها لها. ستظهر حياة التزاما دينيا أكبر من شريكها، بيد أنها سترفض الاستغناء عن نقابها، الذي سيصبح ممنوعا في الأماكن العامة بفرنسا في سنة 2010، وسيصل بها الأمر حد التخلي عن وظيفتها كأمينة صندوق لدى العلامة التجارية «بولونجي اي سونج»، مع رغبة للهجرة نحو بلد إسلامي.

هاربة إلى سوريا، تزوجت أرملة أميدي كوليبالي وأنجبت العديد من الأطفال، وسيكون مصيرها الاختفاء

أثارت تحركات حياة بومدين حفيظة الاستخبارات الداخلية الفرنسية، وفقا لمذكرة رفعت عنها السرية في يوليوز 2010، ودفعت للتحقيق القضائي جاءت فيها جملة «لقد أثارت تحركاتها انتباه سلطاتنا». تساءلت الشرطة عن السبب الذي دفع هذه الفتاة، ذات الطبيعة الحكيمة، إلى إقراض هاتفها لزوجها، الذي سيجري بدوره اتصالات مع المدعو «شريف كواشي»، الرفيق المستقبلي في عملية «شارلي ايبدو»، حول موضوع المجاهد المخضرم «جمال بغال»، المتهم في قضية هجوم إرهابي على سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في باريس سنة 2000، الموضوع تحت الإقامة الجبرية في «مورات» (كانتال).
يتبادر إلى الأذهان بخصوص حياة، سؤال مفاده «ما الدور الذي لعبته هذه المرأة ضمن هذه المجموعة؟». لقد أبهرت الجميع، لاسيما لمجهوداتها خلال التنقلات الليلية في الجبال، رفقة زوجها في فصل الشتاء وتحديدا بقمة «أوفيرن». بمناسبة زياراته المتكررة، تم توظيف كوليبالي كمزود للأسلحة من أجل مشروع تهريب فاشل ل»سمين آيت علي بالقاسم»، العقل المدبر للهجوم الإرهابي على الشبكة الإقليمية السريعة «سانت ميشيل» سنة 1995، غير أن الحظ أسعف حياة بومدين، إلا أنها وضعت تحت الحراسة النظرية، في الوقت الذي حكم فيه على رفيقها ب5 سنوات سجنا، ليخرج بعدها سنة 2014، مع رغبة شديدة في المرور إلى مرحلة التطبيق.
مع اقتراب الهجمات الإرهابية ليناير 2015، تعمقت العلاقة بين الزوجين حياة بومدين واميدي كوليبالي، المرتبطين منذ بضعة سنوات والموصوفين ب»الزوجين العتيقين» رغم سنهما الصغير، (26 سنة لها و 32 سنة له)، المشاركين في عملية حتمية متصفة ب»التطرف اللفظي»، كما وصفها في سنة 2013، القضاة المشرفون على صياغة الطلبات في ملف سمين آيت علي بالقاسم.
استنتاجات تتفق مع إدانات العدالة، بعد 5 سنوات من التحري في قضية «شارلي ايبدو» و«هيبر كاشي»، استنتج فيها بأن الفتاة و الزوجة السابقة، لم تكن تلك المرأة البسيطة التي اعتقدها الجميع، الزوجة المقحمة بالرغم عنها في هذه المغامرة.
إن ولوجها الأراضي العراقية-السورية، لهو أكبر دليل على قوة شخصيتها، فبحسب المعلومات المتوفرة للصحيفة، كانت حياة بومدين قد تزوجت مرة أخرى، وأصبحت أما للعديد من الأطفال، كما أن مصيرها قد يصبح الاختفاء بمرور الوقت. فقبل أن تتعرف عليها إحدى العائدات من الأراضي السورية، كانت تتجول باسم مستعار في مخيم «الهول» شمالي سوريا، في مكان قاحل و مليء بالأتربة، أشبه ب»أرض يغيب عنها الرجال» أو «No Man’s Land»، معقل أخير للهاربين من تنظيم الدولة، ممتلئ برجال الاستخبارات السرية من كل دول العالم، مخيم يقطنه قرابة 70 ألفا من الأشخاص، غالبيتهم العظمى نساء وأطفال في خيام بالية، دون ماء صالح للشرب، وسط مناخ شبه صحراوي.
بالرغم من التعرف عليها في الأخير، إلا أن حياة بومدين تمكنت من الهرب من جديد، في فصل الربيع،وذلك عبر استغلالها لفترة عدم الاستقرار لدى القوات الكردية، المكلفة بمراقبة هذا السجن المفتوح على السماء. حاولت بعد فرارها الالتحاق بمنطقة إدلب غرب سوريا، الملاذ الأخير لكل الجهاديين من كل مكان، ولكي تتفادى أن تصبح هدفا سهلا لعملية مسبقة، استغلت حياة بومدين نفس الخطة التي اعتادت عليها، أن تحاط بالنساء والأطفال، إذ أن مجموعتها الإرهابية كانت مكونة من عشرات الأمهات.
إن عملية اختراق الجماعات الإرهابية المشابهة، تتطلب مبالغ مالية مهمة : كأقل تقدير، بضعة آلاف من اليورو للهدف الواحد، وهذا أيضا يعتبر مجال تخصصها. فمنذ التحاقها بسوريا، بتاريخ 2 من يناير 2015، عبر رحلة قادمة من مدريد نحو إسطنبول، تمكنت المرأة الشابة من الالتحاق الدائم بتنظيم الدولة. وفي الوقت الذي تبلغ فيه نفقات العيش في المخيم، ما يقرب من 300 أورو شهريا للغذاء والطعام فقط، تتكبد عناء تحويلها عائلات النساء الفرنسيات في المخيم، كان الحال يختلف بالنسبة لحياة بومدين. ففي أحد اتصالاتها الهاتفية بأحد أقاربها في ماي 2015، صرحت: «الحرب حاضرة بطبيعة الحال، (…) إلا أن الأمر يختلف حيث اتموقع الآن، فالمكان آمن لأبعد الحدود. (…) عيشتي هنا أفضل من فرنسا، (…) فلا شيء هنا من قبيل المراكز التجارية. (…) أرى العديد من المنازل الكبيرة. (…) إن كنوزي هم المحيطون بي». بالنسبة لتلك المنحدرة سابقا من حي هامشي، فإن مسقط رأسها في فرنسا لا يعدو ان يكون أشبه بأحد محلات «إيكيا»، وأن ما يعيشه السوري العادي حاليا، هو أشبه بالعيش مع الطبقات العليا من المجتمع.
«عيشتي هنا أفضل من فرنسا»، إن هذه الكلمات تدل على العسر الكبير، الذي تورطت فيه حياة بومدين، أسس له نظام موضوع بعناية من قبل الدولة الإسلامية، له هدف وحيد : عزل النساء من الواجهة، وتوجيههم نحو الإنجاب والاستقطاب عبر الانترنت. إن وصفها ب»البطلة» لكونها زوجة «جهادي» سابق، مكن الجهادية الفرنسية أكثر من غيرها، من الاستفادة من امتيازات خاصة : منزل مستقل، دورات في اللغة العربية والدين، الولوج إلى الخدمات الطبية…
إن انهيار تنظيم الدولة الإسلامية قد عقد الأمور شيئا ما، إلا أن دعم التنظيم لم يتوقف أبدا، مساهما في استمرارها على قيد الحياة.
في يناير 2015، و في التقرير الموجز الأول الموجه نحو التحقيق القضائي، لم تكن «حياة بومدين» إلا اسما بين قوسين. أما اليوم، فإنها تعرف كجهادية كرست نفسها للغاية الجهادية، إمرأة عنيدة تشك قليلا في إدانتها، إلا أنها لا تسعى إلا لعودة ساعة مجد «الخلافة».

عن يومية «لوموند» الفرنسية


الكاتب : ترجمة : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 07/09/2020