منهج التجديل التضافري للناقد عبد الرحيم جيران

شكّل مؤلّف الناقد عبد الرحيم جيران ” علبة السرد: النظرية السردية من التقليد إلى التأسيس” انعطافة كبرى في مجال الدراسة الأدبية في العالم العربي، وخصوصا في مجال السرديات، إذ يطمح من خلاله إلى تأسيس تصوّر نظري جديد وغير مسبوق ينبني على مقاربة منهجية محكمة الصياغة، اختار لها عنوان ” التجديل التضافريّ”، وصاغ أسسه المميّزة انطلاقا من أربعة مستويات محدّدة كالآتي: المبادئ المؤسِّسة، المستوى المنطقي العلائقي، الطوبولوجيا، التسنين الرمزيّ.

أولا:
المبادئ المؤسّسة

– لا يقصِد بالمبدأ ما يتطلّبه من شرط فلسفي صارم لقيامه، بل يقصد به ما يضمنّه محتواه من بعد إجرائي، يتمثل في كونه يعني في أحد مضامينه توجيه نشاط ما، أو فعالية ما، بما يعنيه ذلك من تحديد لحركة هذا التوجيه وجهته.
– المبدأ ليس سوى عملية (و/ أو مجموع عمليات) تتصّف بكونها تتضمن داخلها حدودا تعطي لحركة التوجيه مدى معينا، وهذه الحدود ما هي إلا أطراف تتشكّل في هيئة ثنائيات.
– الأطراف لا تشكّل حدودا منفصلة للعملية، وإنما حدود لا تقبل التعيّن والفاعلية إلا انطلاقا من كونها منظورا إلى مُمكِنها من متاح مُمكِن ما يواجهها.
– الحدود تشكّل أطرافا متضادة لا غنى لأحدها عن غيره لكي يصير فعّالا ( لا يكون التضاد الذي يؤسّس المبدأ بوصفه عملية قائما على إثبات طرف ونفي آخر، بل على تضافرهما معا).

ثانيا:
المستوى المنطقي العلائقي

يحصر الناقد جيران العلائق المنطقية في صنفين رئيسين يرى بأنهما يكتسبان أهمية بالغة في تكوين سيرورة تنامي النص السرديّ، وهما:
– علاقات التضافر Coordination: تشكّل نسقا تكون فيه الوحدات التي يتكوّن منها مستقلة، ولا تتحدّد الوحدات قياسا إلى بعضها البعض، وإنما بتفكيكها إلى العناصر التي تكوِّنها بوصفها خاصيات مميزة أو جوهرية.
– علاقات التجديلSubordination: تشكّل نسقا تكون فيه الوحدات غير مستقلة، إذ يحدّد بعضها قياسا إلى بعضها الآخر، وتتداخل في ما بينها وتتفاعل.

ثالثا:
الطوبولوجيا

إن الدافع من وراء إقحام هذا الاصطلاح منهجي ونابع من الحاجة إلى حل مسألة علاقة انبثاقات التعبير بالدلالة في وحدتها وتماسكها. ويعني جيران بالاصطلاح المعرفة الخاصة بما هي هيئة أو إرساء لها في فضاء تعبيري محدد، ومهمة الطوبولوجيا هي ضبط الانتقال نحو ما تنبثق منه أنواع المحلّ في النص أو أنواع التعبير المختلفة، وقد أشار إلى الطوبولوجيا باصطلاحين موازيين هما : التهيئة التعبيرية والتغطية اللغوية.
– التهيئة التعبيرية: ينهض هذا الاصطلاح على مسألة هامّة تتعلّق بالتنامي النصيّ ( بعدِّه انتقالا من مستوى إلى آخر: الدلالة لا تمر نحو التعبير بعرض تطلّباتها أو جعلها أرضية يقام فوقها التجديل، لكن الطبيعة الانتشارية خاضعة لتشكّل مؤسَّس وفق آليات تسمح بفهم كيفية نزوعها نحو الانتظام ).
– التغطية اللغوية: ينهض هذا الاصطلاح على كون التعبير يتكفّل بتجسيم الدلالة عن طريق التوسّل باللغة ومتاحها ( التعبير لا يحدث على نحو خطي وأحادي، بل من خلال إزائيّة تُموضع من خلالها تعبيرات مغايرة إلى جانب ما تُثبته الذات التعبيرية نصّيا).

رابعاّ:
الرمزي

أرسى الناقد عبد الرحيم جيران المقاربة التجديلية إلى جانب ما ذكر سلفا من المكون الثقافي بوصفه حاسما في تشكيل مستويات النص، ويرى أن استعمال الأساس الثقافي في المقاربة التجديلية غير منظور إليه من زاوية التعليل أو التفسير أو الأولوية، بحيث يظل المنتَج النصّي مجرد عرض، بل يعدّ مكوِّنا أساسا من مكوناته.
– الثقافة في منظور الناقد جيران ملتقى كل أنواع الفعالية البشرية، إذ تستودع تاريخها المتنوع، بما فيه الاجتماعي والسياسي والفكري.
يرى الناقد عبد الرحيم جيران أننا نتسم بالتبعية، مؤكدا على ضرورة الخروج من هذه التبعية، أي من تقليد الغرب إلى إنتاج السؤال الخاص والمعرفة الخاصة، ولو ارتكبنا أخطاء في هذا المجال، إلا أن الأجيال القادمة من شأنها أن تصحّح ما ارتكبناه من أخطاء، مشيرا إلى ضرورة الخطوة الأولى في إثبات الذات وبناء السؤال الخاص، وموضحا أن التجربة النقدية العربية قد مرت بمرحلتين: الأولى مرحلة تمثّل الفكر النقدي الغربي وأسسه ومحاولة تقليده وتطبيقه على النصوص، أما المرحلة الثانية، فتتمثل في الانتقال من التمثّل إلى تطبيق الفكر الغربي على التراث العربي.
رام الناقد عبد الرحيم جيران تدشين المرحلة الثالثة التي ذهب فيها إلى القطع مع مرحلة التمثل ومرحلة التطبيق، سواء على النصوص الحديثة أو النصوص التراثية، بضبط الفكر الغربي فلسفيا وابستمولوجيا وإبداعيا وفق عمليتين ( الفهم والنقد)، لتأتي المساءلة بعد تشرّب المعرفة الغربية وفهمها ونقدها، والتي تقتضتي ممارسة التفكير إنسانيا وليس محليا بعدّ ما أنتجه الغرب تراكما في المعرفة الإنسانية، وهو ما نجح فيه من خلال مشروعه النقدي الذي عكف فيه بالدراسة والتطبيق في إطار المشترك الإنساني.
الأديب عبد الرحيم جيران ناقد وروائي مغربي، ولد بمدينة الدار البيضاء سنة 1955، صدر له في الشعر: سيرة شرفة، وفي القصة: رياض الخاسرين، أما في الرواية فقد نشر: كرة الثلج، عصا البيلياردو، ليل غرناطة، الحجر والبركة، وفي النقد: علبة السرد: النظرية السردية من التقليد إلى التأسيس، إدانة الأدب، في النظرية السردية: رواية الحي اللاتيني مقاربة جديدة، الذاكرة في الحكي الروائي: الإتيان إلى الماضي من المستقبل، النص الأدبي: لعبة المرايا، سراب النظرية، المقاربة السردية السيميائية.


الكاتب : عبد الرحيم سكري

  

بتاريخ : 22/09/2020

أخبار مرتبطة

743 عارضا يقدمون أكثر من 100 ألف كتاب و3 ملايين نسخة 56 في المائة من الإصدارات برسم 2023/2024   أكد

تحت شعار «الكتابة والزمن» افتتحت مساء الأربعاء 17 أبريل 2024، فعاليات الدورة الرابعة للمعرض المغاربي للكتاب «آداب مغاربية» الذي تنظمه

الأستاذ الدكتور يوسف تيبس من مواليد فاس. أستاذ المنطق والفلسفة المعاصرة بشعبة الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز ورئيسا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *