وزارة الصحة، بؤرة وشك عضال!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

عندما تسود بؤر الوباء في جائحة كورونا، يكون من الطبيعي أن تتحول وزارة الصحة إلى بؤرة اهتمام عام لدى المغاربة.
ومن الطبيعي، أن يكون المنطق كذلك، إذا كان سقفُ اللحظة برمته صحيا 100 في 100، وعلى ضوئه تتحدد جِدية الدولة، والتزام المواطن وحيوية المؤسسات.
تماما كما يكون من المنطقي أن تصبح وزارة التجهيز في بؤرة الاهتمام في سنوات الفيضانات، ومندوبية المياه والغابات، بؤرة الاهتمام في زمن الحرائق والكوارث الطبيعية ومكاتب ووزارة الفلاحة في بؤرة الانشغال في زمن الجفاف..
ما هو غير الطّبيعي إذن، هو أن تكون بوابات الاهتمام والانشغال تتعلق بجوانب تسائل الفساد في الصفقات، لا في جدواها فقط!
والتردد في استخلاص دروس تدبير الأزمات، لا في التأخر فيها فقط،وفي نقص المواد،لا في ثمنها أو غلائها وحده الخ..
ولحد الساعة – وهو عمل لا بد من تحية البرلمانيين تحية عالية بسببه- ممثلو الأمة منشغلون بالوضع التدبيري لجائحة تهز المغاربة وتربك حياتهم وتضبب مستقبلهم من جوانب كمية، ومادية ولوجيستيكية.
وفي سياق هذا الانشغال، تأتي الأرقام الرهيبة التي تم تداولها في الإعلام، ثم تحت قبة البرلمان، وهي – بالفعل – تتركنا في حالة ذهول..
لقد قدم الوزير الشروحات التي قدم، وعاب على المتابعين، ما سماه المزايدات، وزرع الشك في الدولة، وضرب ثقة مواطنيها فيها.
هذه عبارات مطمئنة، وواثقة من نفسها، لكن الذي نتفق عليه جميعا، هو أننا لسنا في حاجة إلى الشك،لبناء يقظة وطنية أو بناء موقف سياسي مناهض، أو في حالة الوطن ككل، لأن في وضع كهذا، قد يكون ثمن الشك باهظا، شك عضال بلغة أهل الطب.. قد لا ينفع معه، شيء، لا سيما وأن القطاع كان قبيل الجائحة بهنيهات موضع مساءلة، ساخرة أحيانا وساخنة أحيانا كثيرة!
قبل آيت الطالب ومع مجيئه..
ولن نربح شيئا إذا استبدلنا السخرية والاستسهال والغضب …بالشك.
لربما أن ارتفاع السقف المطلوب من الوزارة ، مواجهة جائحة عالمية، خفض من حدة الانتقادات الأخرى ووضع المجهر على تدبير الجائحة المادي والمهني واللوجيستيكي والإداري..
وربما نسي المغاربة عشرات الأمراض، من أجل أن يحاسبوا وزارتهم على ما يخص جائحة مشتركة بين العالمين.. ويعطيهم مادة للمقارنة، بين الهنا والهناك..
وفي كلتا الحالتين، لم ينس المغاربة معضلة اجتماعية رهيبة اسمها الوضع الصحي..
2 – الوزارة اليوم، هي التجسيد العملي للدولة الاجتماعية، إضافة إلى أياديها الأخرى من دعم مباشر وصناديق اجتماعية إلى آخره..
ووزارة الصحة هي تقاطع الفرد، في وجوده الذاتي مع كليانية الدولة في وجودها الجماعي والتاريخي، والمحصلة، أن محاكمة الدولة، وهي تفوق محاكمة الحكومة، تتم على هذه القاعدة في العالم كله..
في المغرب معضلة الوزارة والصحة عموما، لا يمكن الرد عليها بشكل معزول عن القدرة المحتملة للاقتصاد على الصمود، ثم النهوض ثم الإقلاع: أي لا يمكن أن تغطي الدولة الجانب الصحي إلى ما لا نهاية ما لم تعُد الآلة الاقتصادية إلى اشتغالها، ودورانها وهو أمر ليس من السهولة بمكان، خاصة أن نصف المغاربة – في الوضع العادي –
لا يتوفرون على تغطية صحية.
وقد وضع ملك البلاد الأمر كله في السقف الأعلى عندما دعا إلى تعميم التغطية الاجتماعية وفي صلبه التغطية الصحية في مشروع السنوات الخمس القادمة، أي في مشروع ممتد في الزمان وفي المكان.
ونحن نشهد كيف أن شؤون الصحة صارت شؤونا سيادية بقوة الوباء..وهو تغير يحصل في العالم كله، بحيث لم يعد الأمر يتطلب نقاشا تفضيليا بين الليبرالية أو الليبرالية المتوحشة حول الموضوع…!
ولهذا، ربما لم يعد من المستساغ أن يتم الحديث عن صفقات باهظة ولوبيات لهذا المنتوج أو ذك،لما يشكلونه من نماذج حية عن الليبرالية المتوحشة وسيادة التسليع ومنطق التسويق والصفقات، في مجال لا مجال فيه للصفقات ..
ومن المفيد إخبار الوزير آيت الطالب أن التدبير الذي يتخلى عن هذه الثقافة، لفائدة «الكفاءات»، غالبا ما يسقط في المدرسة المتوحشة!
ومن هذه المنطلقات كلها، لا يمكن أن نبخس الاهتمام الكبير للمغاربة بالوضع الصحي، الفردي والأسري والجماعي، من تحت شرفات التشكيك في نواياهم إزاء الوزير وإزاء الوزارة..
لا يجب أن نخلط بين المواجهة الجماعية والوحدة واليقظة للفيروس وبين الهروب إلى الأمام!
بدعوى أن الوضع يستدعي الاستعجال، نعجل بما تبقى من معقولية وصدقية في القطاع..
إن مكانة وزارة لصحة وسط الوباء، هي بمثابة وزارة الدفاع في زمن الحرب: نحن نعرف من يقف سدا منيعا، سدا لفائدة الدفاع عن الحوزات، ومن يريد أن يجعل القضية المقدسة طريقة في التكميم..
لقد كان عبد الرحيم بوعبيد يقول، بخصوص قضية مقدسة كبيرة هي قضية الصحراء المغربية: لا بد من أن نكون جدارا متراصا للدفاع جماعيا عن القضية، لكن لا بد من أن يكون جدارا متحركا!
وهذا ما كان..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 22/09/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *