تدبير اللايقين 2/2

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

عندما نتحدث عن تدبير اللايقين، فذلك لا يعني أننا ندعو لأن يصبح محمد بنشعبون،هو ادغار موران، أو سعيد امزازي ، هو روني ديكارت ، وتتحول الحكومة،برمتها إلى مدرسة فرانكفورت..
نحن نتكلم عن اللايقين الذي يمس القوت اليومي للناس، والحياة الجماعية للمواطنين، واستمرار مرافق الدولة ووجود تحصينات للتطلع إلى المستقبل.
بالنسبة لمن ذكرنا، لا يبدو أن أيا منهم ، بالرغم من الإفراط في التفاؤل النضالي« أن يدعي بأنه يملك ما يكفي من اليقين الذي يمكنه أن يذهب بنا إلى توقعات مستقبلية جيدة.
المالية الوطنية ستغرق في الاستدانة الخارجية، أمامها سؤال عريض كبير لا جواب له: إلى متى يمكن للدولة أن تقترض من الخارج لكي تمول نفسها؟؟؟
اجتماعيا وماليا واستثماريا ووووو..
لا يقين في الجواب، لا يقين في معرفة ما إذا كنا نطرح السؤال الذي يجب طرحه..
بالنسبة لمكون من مكونات الدولة، والتي لا يمكن القفز عنها التربية والتكوين، نفس الشيء، بالرغم من الأرقام التي يرفعها الوزير استبصارا بحسن التدبير، سواء عن عمل الشبكات العنكبوتية، أو بخصوص القدرة على ضمان التغطية الكاملة للتعليم عن بعد أو عن التعليم الحضوري..
نقطة من بين عشرات: مرت اليوم قرابة أسبوعين على الحول المدرسي، وبدأت الأبواب في غلق أبوابها، والامتحان قد بدأ، لأن أسبوعين كافيان لكي يتحدد حياة أو موت الفيروس في المقاعد.
بلغة أخرى، كل الذين أصابتهم العدوى في اليوم الأول من الدراسة، ستبدأ الأعراض عليهم في غضون الأسبوعين، باعتبارهما العمر الطبي للفيروس..
وسيتوالى ظهور الأعراض والقرارات، وربما سيرتفع المتجهون إلى التعليم عن بعد..
ونعود إلى لايقين التدبير المعلوماتي للتربية في بلادنا..
غير أن اللايقين الذي يخترق المجتمع، قد تجاوز ما يمكن وضعه في سياق التعبيرات المسكوكة والصيغ الجاهزة حول نظرية المؤامرة أو نقص الوازع العلمي إلخ.
الحكاية بدأت مع الوباء..
كان فيه تشكيك، إلى أن تجاوزت الأرقام الحد القابل لإغماض الطرف..
واقترب الوباء أكثر، وصار ملموسا لدى الكثيرين..
بعدها بدأت الموجة الثانية من اللايقين تجد صداها: وانتشرت الأخبار حول لا جدوى الأدوية.
قصص متواترة، من قبيل، ما سمعته من أناس مقربين وفي الجوار اليومي. فلانة كانت في الحجر، وقد جاءت بالأقراص التي كانت تعطى لها، دليل على أنها لم تتناولها وقد شفيت وعادت إلى بيتها.
فلان اتصل بزوجته التي قدر البروتوكول الصحي أن تعالج في بيتها بينما هو في المستشفى الخاص بالمرضى، وطلب منها أن ترمي أقراص الكلوروكين ومشتقاته، وتكتفي بالفيتامين السي والمضادات الحيوية، لأنه ثبت بأن الأمر فيه شكوك..
وتقتضي الحكاية أن يخرج معافى وبدون آثار من الحجر الطبي ..
وقصص حول لاجدوى الأدوية تتكاثر..
وبعد لا يقين الوباء
ولا يقين الدواء
نختم بلا يقين الفناء.
وتتكاثر القصص إلى أن صارت فيديوهات تتداولها الهواتف:
جمع من الناس يصرخون في المقبرة ضدا على قرار دفن قريبة لهم، لأنها لم تمت بالوباء كما قيل لهم بل بجلطة دماغية. ويتحدون القائد والسلطات في مقر سكناهم أن يقوموا بالتحليلات الضرورية لذلك.
صبيحة أول أمس، كان الصحافيون يتداولون خبر نقلهم أحد زملائهم من دكالة عن رجل مات بلسعة عقرب، وطلب من أهله الإقراربأنه توفي بالكورونا، لسبب غامض لا يعرفونه..
وآخر، في جماعة بجهة الدار البيضاء، يعرف سيدة تعاني من سرطان مزمن، توفيت وقيل لهم بأنها ضحية الكوفيد
ولا جنازة ولا تحليلات.. إلخ.
نحن أمام مشهد سوريالي من لايقين يجمع الأمة كلها في سلة واحدة..
وهنا يقتضي تدبير اللايقين أن يخرج وزير الصحة لكي يدافع
عن مهمته الاستشفائية ضد من يقولون بلا جدوى التطبيب
ووزير الداخلية الذي واجه اللايقين في أن الدفن
والوفيات ترتيبان لا علاقة لهما بالقدر، بل هما تدبير ملتو للفيروس..
ويقتضي تدبير اللايقين أن نستعين بتدبير جديد للسياسة، أيضا، يتجاوز الإدماج الواعي والإيجابي للايقين، من أجل وضع تصور قادم، بل إعادة اليقين إلى دور جديد للدولة في التاريخ، ودور جديد للسياسة في الدولة وترتيب آخر غير ترتيب الجائحة لهدفنا من كل هذا الذي سبق!
واللايقين في الأمة كلها، ليس هو ضمان شروط يقين مترفيها والمتفوقين فيها ويقين المستفيدين من أوضاع… اللايقين، حتى لا نقول أثرياء اللايقين..
إن اللايقين هو الخيط الرابط بين كل الأزمات التي نعيشها، أزمات صحية واقتصادية وتربوية وإنسانية …وحضارية في منحى من المناحي.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 25/09/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *