من أجل «دار للعلم والتواصل العلمي…»

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

نجد أنفسنا في الزمن الوبائي أمام زمن «علمي» آخر، أو بالأحرى أمام زمن معرفي،يعود بنا إلى معتقدات سحرية فضفاضة، لكنها تؤطر الوعي الجماعي في أوساط لا يُستهان بها في مغربنا الحديث.
الذين ذكرهم الخطاب الملكي الأخير، أولائك الذين يرددون أن الوباء لا وجود له، أو الذين لا يكتفون بالتشكيك في وجوده بل يضعونه في مقلاع كبير، ويعتبرونه مؤامرة دولية علينا نحن المسلمين – أو الذين يصنفونه ضمن مخططات الامبريالية لمناهضة الرفيق الصيني، كل هؤلاء، يلزمهم العلم كي يفكروا بشكل صحيح.
وللعلم معلومته التي لا بد منها، حتى تستقيم البشرية. ألم يُعلم لله الأسماء لآدم ليضع الفرق بينه وبين الملائكة في المعلومة؟
وفوق كل ماسبق، أمام الوباء والجهل بالمعلومة الصحيحة، نجد أنفسنا أمام مفارقة تقودنا إلى الموت.
علاوة على ذلك، تسابقت القطاعات الحكومية لإخبارنا بالنقلة الابتكارية الجديدة. وشاهدنا كيف أن التطبيقات العملية للبحث العلمي- اليوم – وفي فورة الوباء، في متناول اليد.
سمعنا الكثير من وزارة الصناعة، وسمعنا أيضا الكثير من وزارة التعليم العالي ومن الجامعات والمعاهد العليا،عن الاكتشافات. وربما تحين الفرصة من أجل العمل على عقلنة المعلومة العلمية وتداولها الإعلامي.
في فرنسا مثلا، نقاش مستفيض حول الهيئة التي يجب أن تكون أداة ووسيلة في مواجهة الأخبار المغلوطة و«الفيك نيوز». وهاته الهيئة التي تحمل اسم «دار العلم والإعلام»، جاء بها مشروع برمجة الأبحاث لسنوات 2021 ،2030 الذي تقدمت به أمام البرلمان الجمعية الوطنية في الاثنين 21 شتنبر الجاري، وهي هيئة حديثة في فرنسا مستوحاة بدورها من مر كز الميديا والعلم «في بريطانيا، والغرض منه، التواصل السريع بين الصحافيين والباحثين، والتشجيع على حصول المواطنين على المعلومة العلمية الموثوق بها، والرفع من الإضاءات العلمية في النقاشات العمومية التي تهم مواضيع راهنة…. وهو يتزامن، حتى بالنسبة لمجتمع كالمجتمع الفرنسي، مع لحظة تشترك فيها المجتمعات الحديثة، تتجلى في اختراق التيارات اللاعقلانية للفضاء العمومي، تيارات تشكك في التطورات العلمية أو في الأخبار ذات الصلة بها.
وبالتالي، تعمل على تقليص هوامش العقل والعلم في الحياة والتفكير وفي المجالات التواصلية.…
ولعل الهدف الذي يمكن أن نستشفه، هوإعادة تموقع العلم والعقلانية في قلب العقد الاجتماعي والتنمية الاقتصادية للبلاد.
ولعلنا اليوم، نتحدث بعد خطاب ملكي، في عيد العرش الماضي عن العقد الاجتماعي، كعتبة لمعالجة وضعنا المختل، قبل الاختلال الكبير الذي أحدثه الوباء. ونعتقد بأن دارأو فضاء العلم والتواصل، من مآلات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، في المعادلة المغربية.
النموذج الفرنسي مستوحى كما سبق القول من نظيره الانجليزي، الذي يسبقه بقرابة عقد من الزمن. فهو يشتغل منذ2002 كوكالة تواصل في الموضوع، كلما كانت هناك قضايا ضاغطة، وليس فقط قضايا ذات العلاقة بالراهن. في حالتنا، هناك قضايا الطاقة، والمناخ والصحة والتغذية الخ،والتي نعتبرها نقطا ساخنة في النقاش المغربي.
سيطرح إنشاء الهيئة، ولاشك قضية تمويلها، وفي الحالتين، البريطانية والفرنسية، وربما في الحالات التي حذت حذوهما كاستراليا، ألمانيا ونيوزيلاندا وكندا، تقتص ميزانية الهيئة من هذه القطاعات بالذات، وتضاف إليها الصناعة الصيدلية، التي تطرح الكثير من نقط النقاش العام، والتي تشكل اليوم – قطب الرحى في السياسة الصحية للبلاد.
بالإضافة إلى الجدوى السياسية والتدبيرية، من جهة تقنين الحكامة، والرفع من مستوى النقاش العمومي، تشكل الهيئة التي نقترحها، فاعلا أساسا ورئيسيا في التواصل العلمي،حيث يتبين من النموذج الذي نتحدث عنه، أن «دار العلم والتواصل» تسهر على تلخيص الأبحاث وتنظيم ندوات، وإعداد تعليقات العلماء والخبراء، بما يسمح بتكوين خبرة عمومية دقيقة ومتوازنة لدى الجمهور، ونحن في حاجة إلى ذلك حقا.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 29/09/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *