السي حسن السوسي كما عرفته 4/5

عبد السلام الرجواني

بعيدا عن الرباط التي غادرتها وفي قلبي غصة فراق الرفاق، بقي للمدينة صوت عميق في نفسي. أين ما حللت، يناديني ذاك الصوت للعودة إلى ديارها، ومداراتها الثقافية والسياسية… مرة أخرى لم أترك الفرصة تفلت من يدي. اجتزت مباراة ولوج مركز تكوين أساتذة علوم التربية بنجاح، فعدت إلى العاصمة في أيلول كان فعلا أسودا. عدت في مناخ سياسي متوتر يخيم عليه سجن الزعيم الاتحادي الكبير عبد الرحيم بوعبيد ورفيقيه سي محمد اليازغي وسي محمد الحبابي، ونفيهم جميعا إلى ميسور، بعد أن أصدر المكتب السياسي للاتحاد بيانا يرفض فيه قبول الدولة المغربية بمبدإ تنظيم استفتاء حول الصحراء المغربية، في قمة نيروبي، وتداعيات انتفاضة يونيو 1981 بالدار البيضاء، التي سفكت بشوارعها دماء مغربية غزيرة وعزيزة  ذاك الصيف الحزين، ومنع جريدة «المحرر» الغراء.
أقمت بيعقوب المنصور، قريبا من سكن الرفيقين «الصوين» و»ع. الوهاب»، وبجوار الرفيقين «شنطيط» و»التهامي»، وعلى مسافة قصيرة من ثانوية «حليمة السعدية» حيث عينت فاطمة.
كما كان الحال في حسان، أصبحت دارنا بيعقوب المنصور وجهة كثير من الرفاق والرفيقات، المقيمين بالرباط والقادمين من فاس. كانت فاطمة تستقبل الجميع بحفاوة لا تضمر، فنستغرق في نقاشات لا تنتهي. حتى إن جن الليل، يذهب من يذهب،وينام ببيتنا من ينام. نقتسم الرغيف واللحاف، مثلما نقتسم الحلم والأمل.
من بين الأوراش التي كنا نشتغل عليها مجلة « الشباب الديمقراطي» التي كان محسن مديرها المسؤول، وكان السوسي والهجابي وشوقي من بين  هيئة التحرير. كانت المجلة لسان الطلبة الديمقراطيين، ومنبرا مفتوحا على قضايا الشباب من تعليم وشغل وفنون وثقافة، نتعاون جميعا على إعداد موادها، وتحرير كلمة العدد التي تعتبر توجيها سياسيا عاما لفصيل الطلبة الديمقراطيين داخل الجامعة. بها كنا فرحين فرحتنا بأختها الكبرى، «أنوال»، منذ عامين.
احتجاجا على نشر « الأواكس» بالجامعة المغربية، قررت قيادة أ و ط م شن إضراب عام، أعلن عنه في ندوة صحفية حضرها مراسل صحف دولية، من أبرزهم رونالد ديلكور عن «لوموند» الفرنسية. كان من بين مؤطري الندوة الرفاق محسن والسوسي وبوعيش مسعود.
ليلة ذلك اليوم ( 02 دجنبر)، اعتقل محسن، وبعده بيومين اعتقل السوسي، ثم بوعيش مسعود. ما زلت أذكر صباح الرابع من دجنبر 1981، حين ودعت حسن وأنا أوصيه ألا يذهب إلى المطبعة كي لا يعتقل كما اعتقل محسن منذ يومين. قال لي مبتسما، يحمل بيده اليمنى محفظة سوداء ضمنها مواد العدد الجديد لمجلة « الشباب الديمقراطي: « لا بد من إخراج العدد» ، أجبته مازحا « نلتقي بالعلو». ابتسم مرة اخرى وانصرف.
بعد محاكمة جائرة وأحكام قاسية، أودعوا ثلاثتهم بسجن « العلو»، حيث كان في انتظارهم قادة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل: الأموي ومنشد والأشعري وخيرات ومولاقات وآخرون من مناضلي الاتحاد الاشتراكي والكونفدرالية.
حرصت على زيارة الرفاق، مرة رفقة «الصوين»، المتخصصة في تمرير الرسائل عبر»البارو»، ومرة برفقة فاطمة التي تشبثت بحقها في رؤية رفاق أعزاء رغم حملها المتقدم، ومرة مع «أمي فاطنة»  والدة محسن التي لا ترتاح إلا بعد تفجير غضبها على الدولة والحكومة وكل من له يد في سجن فلذة كبدها.
في أجواء الحزن والتوجس، أضاءت بيتنا طفلتي الأولى، اخترنا لها اسم فدوى. اسم استوحيناه من شاعرة طوقت ذوقنا الفني، ونحتت في وعينا قصيدة الثورة والفداء. في عيني الوليدة فطنة، وحذق، وبهاء. تكفل بامحماد بذبح العقيقة، وجاءتنا «أمي رقية» من سوس بعسل السحتر وزيت أركان، فأقمنا حفلا بسيطا لم يحضره إلا الرفاق والرفيقات، وقليل من الأهل يتقدمهم أخي عبد النبي.
قالت لي فاطمة بعد الحفل بأيام معدودة:
– لا بد أن يتذوق حسن ومحسن مأدبة العقيقة.
– ما أكرمك أيتها الصبوحة.
وكان لفاطمة ما تشاء، صحبة حورية كريمة محسن، وندى ابنتهما الجميلة الرائعة: قصعة كسكس من «سبع خضاري» دخلت السجن، ولم تعد القصعة أبدا. وعادت عبر القضبان رسالة من حسن للطفلة الوليدة.

الكاتب : عبد السلام الرجواني - بتاريخ : 09/11/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *