بحضور المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير الإعلان عن إطلاق «دفاتر الوثائق التاريخية» في الذكرى 106 لمعركة لهري

 

رغم الظروف الاستثنائية الناجمة عن تفشي وباء كوفيد 19، وما ترتب عنها من اجراءات وتدابير احترازية، تم تخليد الذكرى 106 لمعركة لهري الخالدة، بحضور المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وعامل إقليم خنيفرة، وعدد من المسؤولين والمنتخبين ورؤساء المصالح الخارجية، حيث تمت زيارة المعلمة التذكارية المخلدة لهذه المعركة قبل افتتاح مهرجان خطابي بكلمة النيابة الاقليمية لقدماء المقاومين، تم فيها استحضار ما حققته المقاومة الزيانية من ملاحم بطولية من أجل الحرية والاستقلال وعدالة القضية، ليتم تتويج الافتتاح بفقرة موسيقية من إبداع مجموعة من تلميذات وتلاميذ ورشة الموسيقى لمؤسسة الإبداع الفني والأدبي بخنيفرة.
ومن خلال كلمته، أعلن المندوب السامي، د. مصطفى الكثيري، عن مبادرة إصدار سلسلة «دفاتر الوثائق التاريخية»، التي دُشنت بدفتر أول حول «معركة لهري، الوثائق التاريخية للمقاومة والتحرير»، ويحمل 276 وثيقة تم جلبها من مركز أرشيف التاريخ العسكري ب «فانسن» الفرنسية، ما «سيتيح اجراء مقارنات بحثية بين وجهات نظر ورؤى الطرفين المغربي والفرنسي بخصوص مجريات أحداث وتسلسل المعركة»، فضلا عن «فهم مقاربة المستعمر الفرنسي وتدبيره للأحداث والمعارك».
ولم يفت المندوب السامي الإشارة إلى أن دفاتر الوثائق التاريخية التي نشرها الباحث المستعرب «هنري دوكستري»، تحت اسم «المصادر الأصلية لتاريخ المغرب»، ستتبع بعدد ثان يتناول «ملاحم وبطولات شخصية زايد أوحماد»، وعدد ثالث حول «الحركة السياسية ومهام وأدوار الأحزاب الوطنية بين مدن ومناطق وقرى الهامش ابان فترة الكفاح الوطني من أجل الاستقلال»، لافتا إلى إصدار منشورات المندوبية السامية، تحت عنوان «الأعلام والمعالم الدينية ببلاد زيان ودور زاوية سيدي اعلي امهاوش في مواجهة الاحتلال الفرنسي»، وهو من إعداد الباحث حدو رواح المهتم بالتاريخ والتراث الجهوي. كما ذكر المتحدث بالوثائق التاريخية التي تمكنت المندوبية من جلبها من المؤسسات الفرنسية، وعددها يصل لحوالي ثلاثة ملايين و680 ألف وثيقة، كاشف عن تمكنها من إجراء عدة نقاشات مع عدد من الباحثين في التاريخ المحلي، نتج عنها اختيار مجموعة من الدراسات التي سترى النور مستقبلا، إلى جانب تطرقه لمشاركة عدد من الباحثين المهتمين بتاريخ المنطقة، في موضوع «معركة لهري والمقاومة بالأطلس المتوسط»، عبر محاضرات وندوات افتراضية رقمية عن بعد، سيتم بثها على الصفحة الرسمية للمندوبية السامية، ومن المشاركين د. عبدالمالك بن صالح، دة. ابتسام تملاين، د. ادريس أقبوش، ذ. مصطفى أريدال.
وبخصوص حدث ذكرى معركة لهري، انطلق الدكتور مصطفى لكثيري، من مرحلة التدخل الفرنسي، ومواجهتها بشجاعة من طرف أبناء قبائل زيان، بقيادة الشهيد موحى وحمو الزياني، وكيف سارع هذا الأخير إلى التنسيق مع قادة المقاومة بالمغرب وتعبئة القبائل لمساندة قبائل الشاوية، وخوضه لمعارك طاحنة على هضاب تافوديت وأكوراي بكروان وزحيليكة وسيدي عبدالسلام، ثم بالقصيبة، إلى جانب رفيقه موحا وسعيد، ولم يفت المندوب السامي التركيز على المرحلة التي تمكن فيها المستعمر الفرنسي من بسط سيطرته على مدينة خنيفرة، نظرا لموقعها الاستراتيجي الذي اتخذه المقاومون مركزا لمواجهة القوات الاستعمارية.
وفي ذات السياق، ذكر المندوب السامي ، بالإغراءات التي حاول الاستعمار إسقاط موحى وحمو الزياني بها، وواجهها هذا الأخير بالرفض، لتجري عدة مواجهات مع القوات الاستعمارية، ومنها واقعة هجوم على جيش كلوديل بواد إفران، ومعارك بضواحي مولاي بوعزة وأجلموس وعوينات وتزروتم وخبو (الحجرة المثقوبة) التي تم فيها قطع الطريق على جيش كروس، قبل أن تتمكن القوات الاستعمارية من احتلال مدينة خنيفرة في 12 يونيو 1914، الأمر الذي حمل موحى وحمو الزياني إلى تغيير استراتيجية مخططاته باللجوء إلى الجبال لتنظيم صفوف المقاومة على شكل «حرب عصابات» خططت لمحاصرة المسالك.
ومن خلالها انتقل المندوب السامي،، إلى مرحلة لجوء موحى وحمو الزياني نحو قرية لهري، وكيف أعدت القوات الاستعمارية مخططها للغارة على القرية بكتيبة تضم ألفا وثلاثمائة من الجنود المعززين بالمدفعية، تحت قيادة الكولونيل لافيردور، لتشتعل المنطقة بعد نزوح حشد من المقاومين إليها من عدة قبائل « إشيقرن وآيت احمد وآيت إسحاق وآيتسكوكووامرابطن وآيتس خمانوآيتمكيلد وغيرها، حيث تم تطويق زحف الجيوش الاستعمارية من كل جهة، مستخدمين كل ما يمتلكونه من بنادق وأدوات وفؤوس وخناجر، كانت كافية لتسجيل أكبر هزيمة في حياة القوات الاستعمارية.
ولم يفت المندوب السامي استعراض حجم الهزيمة التي منيت بها القوات الفرنسية، من خلال سقوط أكثر من 580 جنديا فرنسيا، و33 ضابطا، وقائدهم الكولونيل لافيردور، علاوة على 176 جريحا، بينما غنم المقاومون الكثير من المدافع والرشاشات والبنادق والذخائر الحية والخيول، مذكرا بوثائق تاريخية وبشهادات يعترف فيها بعض القادة الفرنسيين بالهزيمة الثقيلة التي تكبدتها جيوشهم في معركة لهري، ومنهم «جيوم» الذي كتب قائلا: «لم تمن قواتنا قط في شمال إفريقيا بمثل الهزيمة المفجعة بمعركة لهري»، إذ لم تتوقع هذه القوات أن تتكبد كل تلك الخسائر في الأرواح والعتاد بمعركة لهري، رغم التعزيزات العسكرية الثقيلة.
وقد تخللت مناسبة الذكرى مراسم توزيع إعانات مالية،كواجب عزاء، لفائدة 8 أرامل، قبل توجه الجميع إلى حيث جرى تدشين «طريق المقاومة» التي تربط تافشنا بتملاكت، عبر جنان إماس،على تراب جماعة اكلمام ازكزا، والتي تم إنجازها، في إطار برنامج الحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، على طول22.16 كلم بغلاف مالي اجـــمالي قدره 22.913.530,08درهم، اعترافا بما قدمته هذه المنطقة من مقاومين وشهداء، وذلك قبل التوجه لمدينة مريرت حيث تم تدشين «نصب تذكاري»يؤرخ ويصون ذاكرة معارك ونضالات قبائل ايت سكوكو ضد الاستعمار الأجنبي.


الكاتب : أحمد بـيضي

  

بتاريخ : 25/11/2020